كثيرًا ما كتبت، وكتب زملائي في مختلف الصحف، عن الشأن العام، وعمّا يخلّ بمصالح المواطن واحتياجاته، ومن يقرأ لنا، يعتقد أن هذا الوطن لا يوجد به إلا العيوب، وأوجه الخلل التي لا يمكن أن تستقيم، أو تتم معالجتها، وفي اعتقادنا دائمًا، ككتَّاب، أن الخدمات التي تقدّم بشكل جيّد، لا حاجة إلى الحديث عنها، فدورنا هو النقد فقط، ولكن من غير العدالة، أن لا ننصف بعض الجهات، التي تتطوّر باستمرار، وتقدِّم الخدمة في أفضل الطرق الحديثة والمتقدمة!
أذكر قبل عشرين عامًا، كان وصف الطابور الطويل جدًا، والفوضى العارمة، بالجوازات، ومراجعة هذا القطاع، الذي يقدّم الخدمات لجوازات السعوديين من جهة، وإقامات الوافدين للمملكة من جهة أخرى، بمعنى أنّه يقدّم خدماته لكافة المواطنين والمقيمين على أرض هذه البلاد، أيّ أنّه يتعامل مع أكثر من عشرين مليون نسمة!
ماذا حدث لهذا القطاع النموذجي؟ تَمَّ تنظيم العمل بطريقة الأرقام، وتوفير كوادر من موظفي الجوازات، ومراقبة الأداء بشكل يومي، فأصبحت عملية استخراج بطاقة إقامة وافد، أو جواز سعودي، لا تستغرق أكثر من نصف ساعة، وتتم بكلِّ سلاسة ويسر، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تَمَّ افتتاح مكاتب في بعض الأسواق (والمولات) في الرياض، بحثًا عن توزيع المراجعين عليها، وتوفير الوقت عليهم، حتَّى إنّه تَمَّ تخصيص بعض منها للنساء فقط، دون أن تضطر المرأة للبحث عن مكاتب تعقيب وخدمات ترهقها بالمماطلة والتسويف!
هل أكتفى هذا القطاع بمنجزه هذا؟ طبعًا لا، بالطموح لا يتوقف، فجاءت فكرة أن تصل الخدمة إلى البيت، وبشكل إلكتروني صرف، وكما يحدث في الدول المتقدمة، فكانت فكرة مشروع «أبشر» للسعوديين، وبرنامج مماثل للمقيمين، وهي فكرة استحداث إدارة بلا مراجعين، يتم سداد الرسوم عبر الهاتف المصرفي، ثمَّ الدخول على نظام «أبشر» للأفراد، وتسجيل الخدمة المطلوبة، مثل تجديد إقامة، أو خروج وعودة، أو خروج نهائي، والاشتراك في خدمة «واصل» البريدية، وسداد قيمة التوصيل إلى عنوان المنزل، وخلال كل الخطوات تصل رسائل على الجوال تؤكِّد اكتمال عملية السداد، وقبول الخدمة المنفذة، ثمَّ إنجازها، أخيرًا يقف الموظف عن باب المنزل يحمل معه الخدمة المطلوبة، دون أن يتعدى طالب الخدمة منزله!
بكل أمانة، ما يقدّمه قطاع الجوازات هو درسٌ تطبيقيٌّ ناجحٌ لجميع الخدمات المتعثرة، التي يعاني منها المواطن، ويفقد الكثير من وقته وصحته من أجل إنجازها، وليس عيبًا أن تستفيد الجهات الأخرى، في خدماتها، من تجربة هذا القطاع الناجح في تعامله وتقديم خدماته، بل أجزم بأنّه لديه استعداد لمساعدة الكثير من الوزارات والجهات الحكوميَّة، وذلك للوصول إلى نمط أداء الحكومة الإلكترونية.
ومن المنصف أن نرفع التحية لهؤلاء الذين لم يتوقف بهم الطموح عند مستوى معين من الخدمة، وأجزم أنهَّم يبحثون الآن عن المزيد من التسهيل والتطوير في الخدمة، فشكرًا لهم من القلب.