تعقد الندوات والمحاضرات والحلق العلمية والنقاشات المستفيضة حول هموم العمل التجاري والمنشآت الحيوية، وأهمها وأكثرها جدلاً هي المشاريع التجارية الصغيرة، أو المتوسطة، لتسعى جل هذه الرؤى والدراسات إلى تشخيص الحالة التي تمر فيها هذه المشاريع المحدودة التي ينشئها المواطن إما منفرداً، أو بمشاركة محدودة ما لآخرين، إلا أن ما يلاحظ عليها هو كثرة تعثرها وفشلها!
ورغم أن هذه المشاركات والاستقطاب للرؤى والتصورات تأتي بشكل عام في مصلحة المنشأة الصغيرة وصاحبها المواطن الحالم بنجاح مشروعه التجاري، إلا أنه يغلب على جلها التنظير أو التشخيص وحسب، مما يتطلب تدخل الجهات المعنية من أجل تنفيذ كل التوصيات التي تتم، لضمان نجاح هذه الأعمال، لعلها تعود بالنفع والفائدة على المواطن صاحب هذا المشروع الصغير.
وحينما تدقق بمن يقدم هذه اللقاءات ويدعمها معنوياً ستجد أن جُلَّها أطراف حكومية يترتب عليها سن مزيد من اللوائح والأنظمة خدمة للتاجر الواعد، أو المتربح الصغير، أو صاحب المنشأة الصغيرة، كما يتطلب من هذه الجهات مزيداً من حمايتها وتمويلها من خلال المنح والقروض الميسرة، وبناء منظومات عمل متطورة وحديثة تحارب الهيمنة والاستحواذ من قبل الشركات العملاقة.
مثال ذلك شركات التقنيات والمعلومات والاتصالات والهواتف والأجهزة التي غالباً ما تجد أن أعمالها وتعهداتها تذهب لكبار المستثمرين والمصنعين الذين يحتكرون مثل هذه الصناعات والتقنيات، فيما تظل هذه المنشآت الصغيرة التي يؤسسها المواطن على الحياد أو الهامش، بل لا تستطيع الوقوف في وجه هذه الشركات والمؤسسات العملاقة، ليتحول أمر التجارة في مجال الاليكترونات والهواتف والمعلومات إلى مجرد محل أو ركن صغير لتسويق الإكسسوارات فقط، وكأنها قشور للأسف، وقس على ذلك أنشطة تجارية أخرى تتعلق في منتجات الحرف اليدوية والمشغولات والأطعمة الشعبية.
أمر آخر نحسبه في غاية الأهمية من خلال هذه المشاريع هو كيفية توفير فرص وظيفية مناسبة على نحو مساعدة المهنيين في إدارة مهنهم دون الدخول في تفاصيلها ومكوناتها على نحو إدارة العمل والأشراف والسكرتارية والتسويق وما إلى تلك الأعمال التي تسهم في توفير عمل مناسب ورئيسي للمهني، ومن ثم توفير وظيفة مناسبة تسوق هذه المنتجات وتديرها بشكل عملي متقن، يعود بالنفع على أصحاب هذه المنشآت الصغيرة الذين يرغبون في التمسك بمهن أهلهم وصناعات بلدهم.
ومن أبرز ما يسهم في نجاح مثل هذه المشاريع التجارية والمهنية هو حضور الجانب الإنساني الذي يرتكز على الفرد والأسرة والمجتمع، فهو بحق الثالوث المهم في تكوين بناء العلاقة المهنية الواعدة، والتصرف التجاري الحكيم، أضف إلى ذلك عنصر الضمان والاستقرار المالي، وتوثيق حقوقها وحمايتها من أي أخطار محتملة أو مغامرات غير مأمونة، والسعي إلى توازن الفرص، ومكافحة الجشع والهيمنة والانغماس في صور الحياة الاستهلاكية المفرطة.
فما لم يكن هناك حماية قوية ونظام مالي ومحاسبي وأنشطة مؤسساتية فاعلة تخدم المنشآت الصغيرة حتماً ستتهاوى، وقد تلحق بالجمعيات التعاونية التي باتت اثراً بعد عين، بعد أن التهمها نهم وجشع الشركات والمجموعات والوكالات التي بدأت تستورد كل شيء باسم انفتاح السوق، وتبيعنا أي شيء حتى وان كان مصنعا بطريقة تجارية سيئة، دون حياء من المجتمع، أو خوف من الأنظمة والعقوبات، أو وجل من المساءلة التي قد تلحق بها حينما تخل بشروط ولوائح التصنيع والتسويق والتوزيع الذي يفترض أن تجد فيها المنشآت الصغيرة دوراً ما في بناء هذه الصناعات التي تمس حياة المجتمع ومتطلبات يومه.