أن تقول فلا تبطئ، وتصيب فلا تخطئ» هو ذا معنى البلاغة عند أحدهم، ولعله «صحار العبدي»..، فالقول في موقعه، بكلمة في سياقه «يفهمها العامة، وترضي بها الخاصة» كما قال «الحسن بن سهل» هو ما تفتقر إليه مسالك سواد المتكلمين منابرة، وكتابة، تجدهم وهم يعبرون يذهبون إلى ما يلوج في خاطرهم نحو الشخصية محور قولهم، أو الموضوع مضمونه بما يضمرونه من رأي خاص، أو موقف بعينه، أو ميول ذاتي..، أو توجه فكري..، فلا تذهب تعي ما الذي يريده أحدهم مما يقول إذ يبطئك فيه المعنى، وتُعمِّيك عنه الدلالة، فهو يقول ما لا تفهمه العامة، ولا ترضى به الخاصة..، فيه قد عجز عن الإفصاح..، والإبلاغ، وإن حاول استقطاب مواطن الإقناع لديهما..!!
والعرب البلغاء كانوا يحرصون عند رغبتهم في إيصال مرادهم أن يرسلوا حكيماً، ولا يحتاجون معه إلى توصيته..، ذلك لأن الحكيم بليغ يقع القول منه في مواقع الإفهام، والإرضاء دون حاجته لسبل ملتوية للإقناع....
لغة الحديث قالب المعنى، والمقصد، أي سبيل الفهم، والإيصال..، فكيف هي لغة الذين يهيمنون الآن على منافذ الكلام..؟!
تقف مراراً لتسبر غور كلامهم..، لتصل إلى ما تفهم، وترضى، فلا تجد أنك من العامة لتفهم..، ولا أنت من الخاصة لترضى وفق ميزان البلغاء في عصور القول الحكيم، ما قل منه، وما كثر..
لقد غدت لغة التعبير مسطحة، وملتوية،.. عاجزة عن الإبلاغ..، والإفصاح..
معانيها رموزٌ لمقاصد كاتبيها، وإشاراتٌ لتوجهاتهم،..!
حتى بات القارئ في كثير يسأل إلى أين سيذهب في فهم من يقرأ لهم..؟ أو يسمع إليهم..؟!
فلا يدري إلى أين هم..؟
أيحملون أسنة أقلام في الشتات ترعى..؟!..، وإلى حيث خرائط أفكارهم تسعى..؟
أم هم عبء إضافي إلى أعباء الحياة..، وكلفها..؟!