يبدو أن تكرار كتابتي في الشأن الصحي تجعل الزملاء ينتظرون رأياً مني في كثير من المواضيع الصحية، وآخرها موضوع تغيير دوام المراكز الصحية ليصبح على فترتين، وكما وعدتهم فإنني سأكتب عن الموضوع ليس من الناحية القانونية، لأنني أعتقد أن وزارة الصحة لا تفتقد المتخصصين في القانون. أكتب نقاط عامة تتعلق بمفاهيم عامة حول القرار وبالذات ووزير الصحة الجديد هو الأقرب لهذا الموضوع بصفته وزيراً للعمل كذلك.
أولاً: وزارة الصحة تريد معاملة مراكز الرعاية الأولية كأقسام الطوارئ التي يجب أن تفتح على مدار اليوم أو أطول فترة ممكنة وزارة الصحة بحجة أن ذلك التغيير يهدف لمصلحة المواطنين وذلك نابع من خطأ في التفريق بين الرعاية الأولية والطوارئ،. بمعنى آخر لديهم مفهوم - مغلوط- لمركز الرعاية الأولية بأنه مشرع الأبواب يستقبل المريض دون ترتيب أو موعد مسبق وعليه يجب أن يكون مفتوحاً أطول فترة ممكنة بانتظار المواطن الذي يمرض أو يخطر بباله زيارة المركز مساء. بدليل عدم تطبيق الفكرة بالمستشفيات وجميعها تخدم المرضى. طبعاً بإمكان وزارة الصحة فتح عيادات ما بعد الدوام لمساندة أقسام الطوارئ. هذه قضية أخرى تختلف عن طبيعة عمل المراكز الصحية الروتينية.
ثانياً: وزارة الصحة يبدو أنها غائبة عن التوجهات التي تتبناها قطاعات العمل الأخرى، فبينما تسعى وزارة العمل ومجلس الشورى لتخفيض ساعات العمل إلى أربعين ساعة أسبوعياً وإقفال الأسواق مبكراً لتنظيم سوق العمل تعمل وزارة الصحة بمعزل عن تلك التوجهات فتمدد دوام موظفيها إلى أوقات متأخرة.
ثالثاً: مفهوم عدد ساعات العمل 48 ساعة - لو افترضنا عدم الأخذ بالتوجه الجديد لوزارة العمل بتخفيض الساعات إلى 40 ساعة يومياً- لا يعني أن يتحكم رب العمل في الموظف بتقسيم عمله في اليوم كما يشاء. العمل ثمان ساعات يومياً يعني فترة متواصلة وليست مقسمة على اليوم كما نشاء. للأسف لا يوجد نص واضح في نظام العمل لهذا الأمر، وعليه لا تلام الصحة لوحدها في هذا الشأن بل جهات العمل.
رابعاً: وزارة الصحة أشارت إلى أن الأمر تم بناء على دراسات قامت بها. لا أحد يعلم ماهية تلك الدراسات لا الممارسين الصحيين ولا المتابعين. هل أجرت استفتاء للممارسين الصحيين أو المواطنين فكانت تلك رغباتهم؟ نحتاج نشر تلك الدراسات.
خامساً: مفهوم خارج الدوام في النظام لا يقصد منه منح الموظف خارج دوام طيلة العام، وإلا كان هناك خلل كبير في النظام الوظيفي والمالي. لأنه سيصبح بدلاً ثابتاً وإلغاؤه يتسبب الضرر للموظف، مستقبلاً. وزارة الصحة أعلنت أن بعض المراكز سيعمل منسوبوها وقتا إضافيا بحجة عدد السكان الذين يخدمهم المركز وليس العمل الفعلي للمركز. وهذا فضلاً عن كونه إنهاك لبند الوقت الإضافي إلى أنه غير عادل في آلية منحه.
سادساً: مفهوم خدمة المواطن واعتباره يشكل حجر الزاوية في العمل الصحي حينما تصبح ديباجة نكررها مع كل قرار دون أن يصحبها عمل نوعي متميز يجعلها تفقد قيمتها ويجعل المواطن يفقد الثقة في قائليها. تغيير الدوام لا علاقة له بجودة الخدمة المقدمة للمواطن في مراكز الرعاية الأولية، بل إنه في ظل عدم رضا الموظفين سيسوء مستوى الخدمة.
نبارك لمعالي وزير الصحة المكلف د. عادل فقيه، وهي مناسبة لأن يتولى وهو وزير العمل إعادة دراسة موضوع دوام المراكز الصحية وفق متطلبات العمل الحقيقية وبما يتفق مع التوجهات والأنظمة.