ليست المرة الأولى التي أكتب هذا الموضوع، لكنني أشعر بالحاجة إلى إعادته كنموذج للمواد الدراسية المهمشة في تعليمنا كالتعبير والفنية والرياضة والإملاء. أكتب عن التعبير وهو في مدارسنا عبارة عن كتابة موضوع محدد يكلف به الطالب أو الطالبة، بطريقة تتكرر في المراحل كافة، فليس مستغرباً أن يطلب من تلميذ الصف السادس التعبير عن إجازة الصيف أو المكتبة المدرسية وتطلب نفس الموضوعات من تلميذ الصف الأول متوسط وربما تكرر نفس الموضوعات حتى في الجامعة في مواد الثقافة العربية، وفي حالات كثيرة ينقل الموضوع من كتب أو مصادر أخرى وليس بعيداً أن يكتبه الأخ الأكبر. ليس مهماً مصدر المادة ومن كتبها، وإنما المهم هو تقديم الموضوع المطلوب.
أتذكر أنني كتبت عن أهمية المكتبة في الصفين الخامس والسادس وفي الجامعة كذلك. والمضحك أنني أعدت نسخ الموضوع حرفياً في الصف السادس وحصلت على درجة أفضل!
مفهوم التعبير في الحياة أشمل من ذلك بكثير، حينما أكتب هنا فأنا أعبر وعندما يناقش المدير موظفيه فهو يعبر عن رأيه في العمل، وحينما يشرح أب لابنه مفاهيم معينة في الحياة فإنه يساهم في تربيته، وهكذا التعبير عبارة عن سلوك وممارسة يلزم الإنسان تعلمها في مراحل الحياة ومواقفها كافة، سواء كان ذلك شفوياً أم كتابياً أم جسدياً، وتنعكس القدرة على التعبير على ثقة الإنسان بنفسه وقدراته في التعامل مع الآخرين.. إلخ.
التعبير كسلوك يجب أن يبدأ في تعلمه في الصف الأول ابتدائي ليس كمادة مستقلة وإنما كسلوك يدخل ضمن المناهج الأخرى، فما هي الأهداف التي يمكن وضعها وكيف يمكن تحقيقها؟ هدف التعبير في الصف الأول ابتدائي يمكن أن يكون تعلم الطالب الوقوف أمام زملائه والحديث إليهم وتعلمه سماع السؤال والرد عليه وكيفية الحديث دون مقاطعة لزميله ودون إحداث فوضى، حتى ولو كان ذلك مجرد الحديث عن لعبته التي يحبها...
بعد ذلك يتدرج في الصف الثاني والثالث ليشمل التعبير الشفوي والكتابي المبسط، بحيث يتمكن التلميذ من شرح خطوات التنفيذ بشكل منتظم لعمل شيء ما، يتناسب مع عمر التلميذ. مثال الحديث عن كيفية استخدام لعبته أو فرشاة أسنانه. التعبير هنا ليس كتابة قطعة أدبية منقولة وإنما هي مادة ذات مكونات مهارية وسلوكية يتعلم الطالب من خلالها آلية ترتيب الأفكار البسيطة وعرضها وتعلم الحوار وتقبل الآراء الأخرى.. إلخ.
التعبير مادة شاملة يفترض أن تسهم في تخريج فرد واثق من نفسه ومن قدراته في طرح الرأي وتقبل الرأي الآخر وعلى تنظيم أفكاره وعرضها بأسلوب مقبول يعبّر عنه شخصياً، وإهمال مادة التعبير بمفهومها الشامل لا المفهوم الذي تطبق به في المدارس حالياً هو ما يجعل خريج الجامعة يعجز عن إلقاء كلمات محدودة أمام الآخرين، وهو ما يجعل الموظف خريج الجامعة يعجز عن صياغة طلب متواضع وصغير، وهو ما يجعل أستاذ الجامعة ثرثاراً في المجالس الخاصة، ولكنه غير قادر على صياغة رأي واضح في تخصصه أو غير تخصصه على الورق وفي اللقاءات الإدارية والعلمية والمجتمعية...
التعبير يجب أن يدخل فيه موضوعات الدراما وتطوير القدرات الذاتية في الحديث والنقاش وليس مجرد كتابة قطعة نصححها بناء على عدد الأخطاء اللغوية فيها وليس على مكوناتها الفكرية. مناهج بعض الدول لا يوجد فيها ما يسمى التعبير وإنما مواد أخرى كالدراما ليس ليتخرج الطالب ممثلاً ولكن ليتعلم كيف يعبر عن ذاته بطرق تتجاوز مجرد القص واللصق وكتابة موضوع بائت.