أصدقكم القول: إني لا أعرف إطلاقاً حجم الجهود التي يبذلها جهازنا المروري، ولا أعرف العقبات التي تواجهه، ولا أعرف حجم الإمكانات المتوفرة لديه، ولكن من جهة أخرى أعرف ومن خلال علاقاتي واطلاعي الشخصي أن لدي من عرفتهم من قيادات المرور حساً وانتماءً وطنياً عالياً، وأعرف كذلك أن لديهم الرغبة الصادقة في حل أزمتنا المرورية. ورغم كل ذلك أستطيع القول وبكل ثقة أن مرورنا لم ينجح في تحقيق وبسط أمننا المروري، وليس أدل على ذلك من الأرقام المخيفة والمفزعة لأعداد الموتى والمصابين الذين نفقدهم يومياً في الحوادث، بل إننا في هذا الشأن نكاد نسجل رقماً أولمبياً عالمياً. هنا قد يبرز السؤال التالي الكبير: هل مشكلتنا المرورية أصبحت أكبر من أن يحلها المرور بمفرده؟ في ظني أن الإجابة عن هذا السؤال هي « نعم « مؤكدة.
أعتقد أن وضعنا اليوم تجاوز المطالبة بتشكيل لجان وعقد مؤتمرات، لقد أصبح التدخل السياسي في حل أزمتنا المرورية مطلباً وطنياً إنسانياً. قد تكون جذور المشكلة في نوعية الثقافة وفي نوعية التعليم السائد، وقد تكون جذور المشكلة في تخلف النظام الإداري بعمومه الذي تعوزه المتابعة والمساءلة والمحاسبة والتقييم الدقيق للأداء، أياً كان مصدر أزمتنا المرورية فلا بد أن تتدخل أعلى سلطة في بلادنا لإيقاف هذا النزف في الأرواح، ولا بد أن تحدد هذه السلطة هدفاً وطنياً مضمونه أن حوادث المرور وضحاياه يجب أن تنخفض إلى النصف على الأقل بعد خمس سنوات من الآن.