من المعروف أنّ الشركات الكبرى بمعظمها تتبع مسارات النمو العالمية، علماً بأن الفرص تكمن في المواقع التي تشهد نمواً اقتصادياً، وبأن الشركات القادرة على رصد المواقع التي ستشهد نمواً لها مكانة أفضل تخوّلها الاستفادة من الفرص المذكورة. إلا أنّ ما سبق هو نهج متمثّل بردّ فعل على النموّ الاقتصادي.
في السنوات القليلة الماضية، اكتسبت ديناميكية أكثر نفوذاً مزيداً من الزخم، إذ شرع الرؤساء التنفيذيين يتعاونون بنشاط مع حكومات دول الأسواق الناشئة، للدفع بالنمو الاقتصادي قدماً واستحداث الفرص لشركاتهم. وفي الأسواق السريعة النمو في آسيا، وأفريقيا، وأميركا اللاتينية، تستجيب الحكومات القوميّة إلى مواطنين يتمتّعون بنفوذ أكبر، وتبحث عن شركاء مؤسسيين لتحقيق أهدافها التنموية، علماً بأن مبادرات الشركات التي تسدّ فعلياً هذه الاحتياجات لا تقتصر على إظهار ردّ فعل إزاء النمو – فهي تراهن على النمو للفوز.
وتشكل «جنرال إلكتريك» خير مثال على ذلك. فمنذ أربع سنوات، أطلقت الشركة المذكورة إستراتيجية تخوّلها تعزيز قدرتها على التنافس في أفريقيا، وهي المنطقة ذات إجمالي الناتج المحلي الأسرع نمواً في العالم. ولا يقتصر ما فعلته «جنرال إلكتريك» على الاستفادة من النمو في سياق حصوله، بالنظر إلى أن قيادة الشركة تصرّفت بنشاط لصقل معالم هذا النمو، وقد أمضت «جنرال إلكتريك» أشهراً وهي تحاول فهم أولويات النمو في الدول التي خططت للاستثمار فيها. ومن خلال عقدها شراكات مع هذه الحكومات، سعت «جنرال إلكتريك» لإجراء محادثات على مستوى وزاري ورئاسي في الدول، في سبيل رصد التحديات الهامة التي تواجهها كلّ دولة في مجال البنية التحتية. أمّا النتائج، فيمكن حصرها ضمن إطار «مذكرات تفاهم بين الدول والشركات»، وهي وثائق تصف أهم التحديات التي تواجهها كل دولة، إلى جانب الدور الذي ستؤديه «جنرال إلكتريك» للمساعدة على إزالتها، علماً بأنّ البنية التحتية في الأسواق الناشئة مجال تخلت عنه دول غربية كثيرة لمصلحة الصين، إلاّ أنّ «جنرال إلكتريك» تفوز بعقود لأنها تراهن على النمو في سبيل الفوز.
ولا شكّ في أنّ ما سبق يأتي مقابل ثمن، حيث أن الرهان على النمو للفوز يتطلّب استثماراً مباشراً للمال والوقت، من أجل فهم تحدّيات النمو ضمن كل دولة مستضيفة، وإرساء العلاقات الضروري إنشاؤها بين الحكومة والمجتمع المدني لمواجهة التحديات. إلى ذلك، يتطلب الرهان المذكور مشاركة من كبار المسؤولين التنفيذيين ومجلس الإدارة، علماً بأن الشركات التي تراهن على النمو للفوز ترسل رؤساءها التنفيذيين وفريقها الإداريّ إلى المنطقة مرتين أو ثلاث مرات في العام.
سيشكّل الرهان على النمو في سبيل الفوز حجر زاوية بنظر الشركات العظيمة التي تدير عملياتها في الأسواق الناشئة. وعلى امتداد العقد القادم، ستعمل هذه الشركات على تحديد معالم المشهد الذي تتنافس ضمنه، وتستقطب المواهب الراقية، وتطوّر علامات تجارية أقوى، وتنسج علاقات أكثر متانة مع العملاء في الأسواق العالمية الأسرع نمواً.