عندما نظن أن الفساد أو التقصير «رجل» واحد.. وتسعد بخلعه أو إقالته النفوس البسيطة.. وتكمل مسيرة الظنون الناعمة، كأن الحال سيتغير.. والأماني ستتحقق.. ورغد العيش يرمقهم بعين حانية خلف كتف الرجل الجديد، وينتظر أن تعلن لحظة الانطلاق.. لينظر في عمق الفاقة والعوز.. ويجتث «أبو جدها».. لكن!
في كثير من الأحداث تتكرر نفس الموجة.. بعد ركود وكساد وضياع الحقوق.. تعلو وتعلو لتبلغ قمتها في سرعة جنونية لا تؤمن بمنطق.. ذاكرتها قصيرة المدى.. بخبر الإقالة تزف الطموح أفواجاً لعرس فوضوي لن تعرف كيف اجتمعت فيه كل تلك الاحتمالات.. وقبلها بليلة كانت الأمانة ثكلى تبكي الضمير والوفاء .. دون أن يتوقف أي أحد ليسأل عن بقية اللصوص.. وأبطال الخيبة.. أين هم؟ وكيف غفلت عنهم العيون.. وكيف يكون رأس الهرم في المؤسسة وحده هو من يدفع ثمن غدر الثعالب.. وخونة الوطن!
أهو تكرار لأن يحمل كبير البيت وزر خطايا رعيته .. لأنه أخفق في أصعب مهمة إنسانية.. مهمة التربية والرقابة المهنية أو الأبوية.. لا شك أن اعتلاء الكرسي ومراهنة المنصب لها ضرائب وليس ضريبة واحدة .. مقابل ماذا؟ بالطبع عند الانهيار العظيم لا قيمة لشيء .. يوم لا تنفع «ليت» ولا تملك فرصة لإعادة الحسابات.
الفساد شبكة متداخلة من البشر .. والخيانة مؤامرة من الصعب أن يقوم بها فرد واحد دون معين.. وإن كان ديدننا في التعامل معه بمحاسبة الكبير على ذنوب الصغار.. فإنهم باقون لخداع القائد الجديد.. لعبة تهدأ.. وأخرى تبدأ.. وهكذا دواليك.
فما حاربنا فساداً.. ولا وجدنا حلاً.. إنما مسكنات تخفي رائحة التلاعب التي فاحت بين أروقة الإعلام والمجالس.. حتى باتت فضيحة لا يسترها حجاب.. وإن لم يؤخذ كل المذنبين بجرمهم.. فإن الحال ليس ببعيد عن زوجة العزيز التي اقترحت السجن عوضاً عن الموت.. في نية مبيتة للمراودة من جديد.
إصلاح الجسد ليس بقطع الرأس أو تغيير ملامح الوجوه.. إنما ببتر العضو الفاسد وقطع دابره وحتماً سيكون العفن يحوطه كالسوار.. وتلك هي بؤرة الموت.. منها تؤخذ الأمم غيلة.. ومنها أيضاً يقام العدل والإنصاف وتصطاد الضباع والثعالب بالجملة.