السعوديون لهم جسد واحد، وقلب واحد، ويتكلمون بلسان عربي واحد, يأكلون نفس الطعام الواحد, يسكنون بيوت تفاصيلها وهندستها ومداخلها تبدو واحدة، السعوديون يعدون طعامهم بالطريقة نفسها من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، يأكلون من صنف واحد، وأطباقهم متشابهة وهي القاسم الغذائي المشترك بينهم، وتبقى الكبسة والمرقوق والجريش والصيادية والبرياني والمحشي والمقلوبة هي الأصناف المفضلة في موائدهم، يشربون الشاي نفسه، والقهوة نفسها، ويتعطرون بالبخور نفسه، وبالطريقة نفسها، يتحدثون بالفطرة بلهجة عربية دارجة، تشوبها بعض المفردات الخاصة، يرتدون الثياب نفسها بأزياء وألوان وتصاميم موحدة، يمارسون في الأفراح والأتراح بعض التقاليد والعادات المشتركة، يؤدون الطقوس نفسها، ينحدرون من القبائل العربية المتجانسة المتآلفة في نسيج اجتماعي عجيب متماسك، لا فرق في تراكيبهم القروية والمدنية والبدوية بين أبناء الشمال وأبناء الجنوب، ولا اختلاف عندهم بين أهل الشرق وأهل الغرب، كلهم من جنس واحد, ولهم نفس الملامح في الوجوه والتجاعيد والسحن الحنطاوية، ويكاد يكون اللون العسلي الغامق هو اللون السائد في عيونهم، مناطقهم السكنية فوارقها معدومة، ويتعذر على المرء رصد الفوارق بين قرى محافظة جازان وقرى محافظة رفحاء، أو قرى الأحساء وحائل والشملي، فالفوارق تكاد تكون معدومة، وهكذا الحال بالنسبة للأحياء السكنية في عرعر وطريف والعلا وأبها وجده والدمام وخميس مشيط، كلها متناظرة بطريقة تبعث على الدهشة والألفة والتجانس، إنها تتشابه في كل شيء ابتداء من الطرق والشوارع، إلى طريقة توزيع الأعمدة الناقلة للطاقة الكهربائية, مروراً بمشروعات السفلتة والكهرباء والماء، أنها مدن تشبه الزي الأبيض الموحد لا فرق، حتى إن الكراجات، والمدارس، ومراكز الشرطة، والعيادات الطبية، ومقرات المجالس البلدية، وساحات كرة القدم، ومحطات تعبئة الوقود تتشابه إلى حد بعيد، وكأنها صنعت في قوالب متماثلة في معامل الألفة والمحبة والتقارب والتآلف، ألفة عجيبة وتكوين عجيب في زمن الفتن الطاحنة، من المفارقات العجيبة نذكر: إن حي (المنصورة) في عرعر يكاد يكون صورة طبق الأصل من حي (المنصورة) في جدة، من حيث التركيبة المتداخلة, والطلاء والأزقة والواجهات واللون، نعمة الألفة كبيرة وعظيمة، رغم الفسيفساء الكثيرة والمتنوعة، السعوديون يتعايشون في تواد ووئام وتلاحم, ولا تهزهم بعض السوكيات الشاذة والمنحرفة التي نسمع بها من هنا وهناك من قبل أفراد سذج مغرر بهم، السعوديون تغيروا كثيراً حتى أنهم أصبحوا لا يجيدون التراشق الطائفي، ولا التناحر المذهبي، ولا تتسلل إلى مخادعهم النعوت والمسميات العنصرية السخيفة، ولا يعرفون التصنيف البشري، ولا يفقهون أبجديات العرقية ولا الفوقية، ويرفضون كل الحملات المبرمجة التي يقودها السفهاء والمتواطئون مع قوى التقسيم والتشرذم، فيتعجبون من تفاهتهم وخستهم وهم يمعنون في التصنيف والتشتيت والتقسيم إلى شعب وعوائل ومجاميع عرقية وطائفية ومذهبية وعنصرية وفئوية، لكن السعوديين على يقين تام، أن الذين تطاولوا عليهم، وتجاسروا عليهم، واشتركوا في حملات التفريق والتمزيق لا ينتمون إليهم البتة، فهؤلاء ليسوا منهم، ولم يكونوا سعوديين في يوم من الأيام.