تسعى الحكومة جاهدة نحو تحقيق هدف خلق قطاع متكامل للصناعات التحويلية؛ يعتمد في مدخلاته على المنتجات الأساسية المتاحة. النجاح المحقق في قطاع البتروكيماويات بات محفزا لمواصلة التوسع الإنتاجي للوصول إلى المنتجات الوسيطة والنهائية وتحقيق القيمة المضافة للاقتصاد السعودي. يبدو أن الحكومة باتت أكثر جدية للعمل على تفعيل إستراتيجيتها للصناعات التحويلية التي تمثل المرحلة الثانية للتنمية الصناعية غير النفطية؛ والتي تأخر موعد تنفيذها كثيرا.
نجح الرواد السعوديون الأوائل في تحويل حلم الصناعات البتروكيماوية الأساسية إلى واقع ملموس. فريق عمل محدود العدد أثبت قدرة السعوديين على إقتحام قطاع الصناعة وتحويل الأمنيات إلى واقع معاش؛ سابك كانت بداية الصناعات البتروكيماوية الأساسية؛ التي فتحت الباب على مصراعية لصناعات متنوعة وإستثمارات وطنية وأجنبية ضخمة. نجحت الهيئة الملكية للجبيل وينبع في خلق مدينتين صناعيتين حاضنتين للصناعات المتخصصة. تنمية شاملة أوجدت متطلبات الصناعة؛ ووفرت الدعم والمساندة لتحقيق التنمية الصناعية الشاملة؛ والتنمية المدنية المساندة.
العمل الإستراتيجي المنظم قاد لتحقيق النجاح في حقبة التنمية الصناعية الأولى التي ارتبطت باستثمار الغاز المصاحب؛ وتحويله إلى لقيم للصناعات البتروكيماوية الأساسية؛ بدلا من حرقه في الهواء. حقق شركاء النجاح؛ الهيئة الملكية؛ وسابك؛ وأرامكو؛ أهداف التنمية الصناعية؛ وكانوا من أهم أدواتها المشرفة. أستمع؛ بين فينة وأخرى؛ إلى أطروحات قيادات اقتصادية مؤثرة؛ وهي تتناول موضوع الصناعات البتروكيماوية؛ والتحويلية؛ والخطط المزمع تنفيذها؛ فأجد فيها بعض التضاد؛ الذي يكشف غياب التنسيق والتكامل والمرجعية المحركة للمشروع. وأكثر من ذلك التدخل في قطاع البتروكيماويات بأطروحات قد تتسبب في الإضرار به مستقبلا؛ وتقويض أركانه.
كتبت غير مرة عن النجاح المحقق في صناعة البتروكيماويات؛ وتنمية المدن الصناعية؛ وطالبت بإستنساخ العمل وفق آليته الأولى. نجاح تجربتنا السابقة في الصناعات الأساسية التي لم تعتمد على إرث تاريخي؛ تجعل من إمكانية إنجاح مشروع «الصناعات التحويلية» أمر مضمون؛ بإذن الله. وجود الخبرات التنموية؛ الإدارية؛ التشغيلية؛ والإستراتيجية؛ وإنموذج النجاح الأول المتمثل في سابك؛ سيساعد الحكومة على تنفيذ إستراتيجية «الصناعات التحويلية» بسهولة؛ واقتدار.
في مؤتمر الصناعات التحويلية السعودية؛ الذي أقيم في مدينة ينبع الصناعية؛ أشار المهندس محمد الماضي؛ الرئيس التنفيذي لشركة (سابك)؛ وأحد مؤسسيها؛ إلى الحاجة «لتغير النهج نحو الصناعات التحويلية»؛ والتي يعتقد أنها باتت أولوية اقتصادية وطنية. المهندس الماضي شدد على أهمية القيادة الإستراتيجية للمشروع؛ من خلال «فريق عمل وطني لديه الصلاحيات الكافية لتوحيد مبادرة القطاعين العام والخاص».
أتفق تماما مع ما ذكره المهندس الماضي؛ وأجد فيه مفتاح النجاح لإستراتيجية «الصناعات التحويلية» التي بدأ العمل على تنفيذها دون أن تكون لها المظلة الشاملة والمرجعية الضامنة لإنجاحها. وأضيف؛ أننا في أمس الحاجة لهيئة مستقلة تُعنى بقطاعي البتروكيماويات والصناعات التحويلية؛ ترتبط بمقام رئيس مجلس الوزراء؛ لضمان استدامة النجاح؛ والتطوير والابتكار في الأولى؛ وإحداث التطوير الأمثل في القطاعات الصناعية التحويلية المستهدفة مستقبلا. الخيار الصناعي الإستراتيجي؛ يحتاج إلى هيئة مستقلة تتمتع بكامل الصلاحيات وتمتلك الرؤية؛ والمبادرة؛ والتنفيذ؛ و تُعنى بشؤونه؛ وتعمل على تطويره؛ ووضع الخطط والبرامج الضامنه لنجاحه.
تشكيل «هيئة البتروكيماويات والصناعات التحويلية» هو ما نحتاجه اليوم للمحافظة على مكتسبات قطاع البتروكيماويات، وتطويره واستدامته؛ وللبدء في خلق قطاع متكامل للصناعات التحويلية على أسس إستراتيجية متينة. الخبرات المتراكمة لدى بعض القيادات السعودية المتمرسة في قطاع الصناعة البتروكيماوية الأساسية من الرواد الأوائل تجعلهم أهلا لقيادة الهيئة الوليدة؛ وتحويلها إلى أهم أدوات التنمية الصناعية المستدامة. الإستثمارات الوطنية يجب ألا تتوقف عند الأموال؛ والأصول؛ بل يُفترض أن نتجاوزها إلى استثمار الكفاءات القيادية المتميزة والعقول المُبدعة؛ من أجل خدمة الوطن وتطوير صناعاته وتنمية اقتصاده.
أجزم بأن إنشاء هيئة مستقلة لقيادة قطاعي الصناعات البتروكيماوية والتحويلية هو الحل الأمثل للمحافظة على المكتسبات المحققة في قطاع البتروكيماويات؛ والضامنة لإنجاح مشروع «الصناعات التحويلية» بإذن الله.