لأن الزمن محدود وأعمارنا أيضاً محدودة فقد كان من الأفضل دائماً إتمامها في أسرع وقت..
نكاد نتفق جميعاً بأن السرعة في الإنجاز واحدة من أهم أسباب النجاح في الجانب العملي وفي الحياة بشكل عام،، وخير مثال على ذلك يحضر في ذهني الآن غازي القصيبي الذي كان يرد مباشرة وبأسرع وقت على أي رسالة تأتي إليه من أيٍّ كان صغيراً أو كبيراً، سواء كان إنساناً بسيطاً أو ذا منصب عالٍ، كان ذلك واحداً من أسرار نجاحه في حياته العملية وفي علاقاته بالآخرين ولا أزكيه على الله -طيب الله ثراه-.
أعود إلى قولي بأن السرعة في الإنجاز واحدة من دعامات النجاح، لكن قد لا تكون هذه القاعدة مناسبة في كل الأحوال والظروف، السرعة مطلوبة في بعض الأمور الهامة، مثلاً في إسعاف المصاب بحادث ما تصبح الدقيقة الواحدة استثماراً هاماً قد يساهم في إنقاذ حياته وعلى العكس عند التفريط بهذه الدقيقة قد نساهم في تفاقم وخطورة حالته وفي صعوبة إنقاذه، دقة الوقت مطلوبة في الأمور العملية، في إطلاق صاروخ مثلاً الحسابات الفلكية، في حساب الشهور والسنين، وفي المجال الطبي، في حساب مدة عمل المخدر «البنج» للبدء في إجراء عملية جراحية وفي حساب المدة الأقصى لنزف الدم من جسم الإنسان حتى لايدخل مرحلة الخطر.
لكن حين نتحدث عن الإبداع فالأمر يختلف تماماً.. يختلف حسابنا للوقت، الإلياذة والأوديسة لهوميروس والمعلقات السبع، كل هذه الأعمال العظيمة لم يتم إنجازها ما بين يوم وليلة، وفي هذا السياق ليس من السهل غالباً أن تحدد الوقت اللازم لإنجازك كتابة قصة أو رواية مثلاً تقول أستطيع إتمامها في ساعتين أو يومين وهذا الأمر ربما لو أمكن تنفيذه في حالة القصة القصيرة من المستحيل تطبيقه في حالة الرواية، وفي الحالتين القصة والرواية لابد أن تكون الفكرة حاضرة وواضحة جداً في ذهن الكاتب، ذلك لأن الإبداع تحكمه الحالة النفسية والإبداعية لصاحب العمل، وحين أقول ذلك فهذا لايعني أن الكاتب هو ذلك الإنسان البوهيمي الفوضوي الذي لاحساب للوقت لديه إذ تتساوى لديه الدقيقة والساعة والأسبوع.. إطلاقاً، لا.
الكتابة ليست عملية حسابية أو هندسية أو معادلة كيميائية (س+ص= ع) وحسب هي ليست على هذه الصورة بل تحتاج إلى كثير من الاستغراق والبحث والتأني والتأمل وفي الختام التدقيق والمراجعة التي يفرضها واقع الحال وهذا واحد من أهم أسرار قوتها، جمالها وتميزها.
* * * * * *
** (إن الكتابة -كما يقول باسترناك- عذاب والاسترسال فيها أليم، ولكني لا أتمالك نفسي من الاسترسال) -عبدالوهاب البياتي-
(*) مطلع أغنية لعبدالحليم حافظ.