سوريا إذا كان لنا أن نلخصها خلال الثلاث السنوات الماضية فهي حزمة من الأحداث العسكرية وحزمة كبيرة من الأحداث الإعلامية، وقليل من الأحداث السياسية.
وهذه الحزم هي التي كونت سوريا كما هي في واقع الصورة التي كونها العالم عن الأحداث في سوريا.
ومن يتذكر فأحداث الربيع العربي لعبت حزمة الإعلام دورها الكبير في التأثير على الحدث السياسي، بل بات الحدث السياسي يختفي وراء الحدث الإعلامي الذي تصدر المشهد العربي خلال السنوات الماضية..
وسوريا بدأت كحلقة من حلقات الربيع العربي بمشاهد إعلامية معهودة، ثم تواجهت هذه المشاهد مع مشاهد سياسية صغيرة إلى أن تدخل المشهد العسكري، وأصبح يفرض أجندته على مجريات الأحداث داخل سوريا.
وهكذا أصبحنا نتأرجح بين مشهدين فرضا تواجدهما في الساحة: المشهد العسكري والمشهد الإعلامي وبينهما يظهر بين وقت وآخر مشهد سياسي يضعف ويقوى حسب مجريات الأحداث وخاصة عندما تكون هناك أحداث خارجية.
ومن الملاحظ أن هيئة الائتلاف لقوى الثورة والمعارضة منذ بداية انطلاق الثورة وحتى اليوم اهتمت بالحدث العسكري أكثر من الحدث الإعلامي، ولهذا لم يكن لهيئة الائتلاف ماكينة إعلامية حقيقية تدفع بقضاياها إلى المجتمع الدولي بما يواكب تطلعات الشعب السوري في دفع الأحداث وبناء نسق تطوري للأحداث بما يحقق خروج النظام وبناء نظام سياسي جديد..
وخلال الأسبوع الماضي كان يتواجد في واشنطن رئيس الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية أحمد الجربا في محاولة للتأثير على الرأي العام الأمريكي، الذي يشكل محورا مهما في التأثير على السياسة الأمريكية بهدف تحويل اتجاه الأحداث نحو تأييد تسليح قوى الثورة والمعارضة بأسلحة أمريكية مباشرة أو السماح لجهات أخرى بتسليح هذه القوى.
وهنا بدأ الحراك الإعلامي الحقيقي للجيش الحر ممثلا في هيئاته السياسية مرسوما وفق خطط وأهداف واضحة.
وما نشاهده في واشنطن هو تحول نوعي في عمل هيئة الائتلاف السوري لأن هناك صناعة أحداث إعلامية حقيقية من خلال لقاءات واجتماعات وحوارات في البيت الأبيض ووزارة الدفاع والكونجرس، إضافة إلى لقاءات تلفزيونية كثيرة وحوارات ونقاشات على مستوى التلفزة والصحافة ووسائل الإعلام الأخرى بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي.
ولهذا فإن هذه الوقفة تعد منعطفا مهما في تغير اتجاهات الحملة التي تقودها هيئة الائتلاف في هذه المرحلة الخطيرة التي تمر بها قوى الثورة والمعارضة.
وكانت البداية من واشنطن ليس بالصدفة ولكن بالتخطيط في أحداث تحول سياسي كبير في مسار القضية السورية.
كما أن التصريحات التي تفرزها خطابات الجربا وغيره من شخصيات الائتلاف تأتي مدروسة، فهناك تأكيدات على طرح موضوع الخيار الثالث الذي ينادي بهيئة الثورة والمعارضة السورية كخيار ثالث بعيدا عن التطرف للجبهات العسكرية مثل داعش والنصرة وبعيدا عن تطرف النظام.
وهناك محاولات لبناء تمركز جديد لموقع هيئة الائتلاف بين نظام دموي وقوى متطرفة، ومحاولة تسويق هذا الموقف هو أساس التحرك السياسي الإعلامي في واشنطن.
ونعود إلى التأكيد على أن المشهد العسكري ربما يتضاءل خلال الفترة المقبلة نتيجة تراجع الجيش الحر في بعض المناطق، ولكن البحث عن خيارات سياسية تدعمها قوة إعلام موجهة للرأي العام العالمي هو مرتكز نوعي يجب الالتفات إليه.
وفي نفس الوقت سيكون اجتماع وزراء الخارجية العرب في المملكة لبحث الملف السوري هو دعم سياسي ربما ينعكس عسكريا على وضع الجيش الحر داخل ساحات المعركة.
كما أن دعوة الأمير سعود الفيصل لوزير الخارجية الإيراني يمثل تحركا سياسيا مهما يهدف إلى إعادة بناء مفهوم الحلول الممكنة بما يحقق المصالح للشعب السوري.
إن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في ضرورة التركيز على الحدث الإعلامي ومواكبته للأحداث السياسية، والرأي العام هو أداة مهمة تؤثر بشكل نوعي على مجريات الأحداث، ليس فقط في سوريا بل في المنطقة.
وما يتوجب على هيئة الائتلاف للثورة والمعارضة هو أن يكون الإعلام هو القوة الإضافية التي يجب توظيفها لدعم الحملة العسكرية في الداخل السوري، فكلما زاد الاهتمام بطرح موضوع تسليح الجيش الحر أو فرض حظر جوي على بعض المناطق السورية سيساعد المجهود العسكري في دعم تحركه على الأرض.