غياب المنهج أو النظرية السيميولجية عن الدراسات الإنسانية بشكل عام والإعلامية على وجه الخصوص في منطقة المشرق العربي أدى إلى فقدان أدوات تحليلية قوية كان بالإمكان أن تكشف الكثير من الظواهر الاجتماعية والإنسانية في المحتوى الإعلامي، إذا أخذنا الإعلام كحقل للدراسة والتحليل.
أما بالنسبة للمغرب العربي فإن هذا النوع من الدراسات السيميولوجية - أو السيميائية كما يحلو لهم - هناك متوفر وله إمكانياته النظرية والتطبيقية.
تهتم السميولوجيا - علم الإشارات - بكيفية اشتقاق المعاني من النصوص التي قد تشمل الأفلام، الصور، وبرامج التلفزيون، والأعمال الفنية الأخرى مثل الصورة والكاريكاتير والإعلان. ويمكن القول إن التحليل السسميولوجي قد بدأ على يد رجلين، اللغوي السويسري فرديناد سوسير، والفيلسوف الأمريكي تشارلز بيرس. وقد أشار سوسير في كتابه «دراسة في علم اللغة العام» الذي نشر بعد وفاته من قبل بعض طلابه في مطلع القرن العشرين، إلى إمكانية إجراء التحليل السميولوجي على عدد من الموضاعات التي يمكن أن تمثل في وقتنا الراهن موضوعات إعلامية أي في المجال الإعلامي..
ويعتمد علم الإشارة أو السميولوجيا إلى تقسيم التحليل إلى قسمين: دال signifier مثل الصورة أو الكلمة ومدلول signified بمعنى المفهوم. أو المعنى المعروف والمتداول عن تلك الكلمات والصور. وبين الدال والمدلول علاقة عشوائية مبنية على أساس ثقافي أو اجتماعي. ويقدم هذا المنهج رؤية غير تقليدية عن المعاني التي تولدها وسائل الإعلام للجمهور المتلقي.
وقد تم تطبيق السيميولوجيا على مجالات عديدة مثل الأفلام والمسرح والطب والهندسة وعلم الحيوان وعدد كبير من الحقول، بما فيها الإعلام والصحافة والصورة الفوتوغرافية وغيرها.. ويرى بعض السيميولوجيين أن كل شي يمكن تحليله باستخدام المنهج السيميولوجي، واعتبره البعض بأنه مملكة العلوم التفسيرية، ومفتاح يميط اللثام عن معاني كل الأشياء صغيرها وكبيرها.
وتكمن أهمية استخدام الظواهر الثقافية في التحليل السيميولوجي في كون هذه الظواهر الثقافية والاجتماعية ليست ببساطة أشياء أو حوادث مادية، ولكنها أشياء وحوادث ذات معان ودلالات، وبالتالي هي إشارات. كما أن هذه الظواهر ليس لها جوهر، وإنما يتم تعريفها من خلال شبكة من العلاقات، التي يتم استنباطها من (الدال) أي الرموز الأساسية في مشهد المحتوى أو الصورة.
ومعظم أقسام وكليات الإعلام في المشرق العربي بما فيها الأقسام والكليات في المملكة تعتمد على المناهج التقليدية في تحليل مضامين وسائل الإعلام، أو في تحليل الظاهرة الإعلامية أو الاتصالية بشكل عام، وهي مناهج تحليل المضمون والمنهج المسحي وربما أحيانا التاريخي، أما المناهج النقدية ومنها المنهج السيميولوجي فيندر استخدامه في بحوث الإعلام في هذه الجامعات، كما أنه يقل الاهتمام به في تدريس المناهج الإعلامية.
وفي نظري أن من أهم نواقص المناهج المستخدمة في الدراسات الإعلامية بشكل عام هي المناهج النوعية ويأتي في مقدمتها المنهج السيميولوجي، ومن المجالات الأكثر إلحاحاً في توظيف هذا المنهج هي رسائل الماجستير والدكتوراة حيث يغيب هذا المنهج تقريباً بين معظم هذه الرسائل. ولربما أحد أهم أسباب هذا الغياب هو عدم وجود مقررات متخصصة على مستوى الدراسات العليا مخصصة للمنهج السيميولوجي بشكل خاص، كما أن برامج الدراسات الجامعية يغيب داخلها أي محاولات لتأسيس معرفة ولو بسيطة عن هذا المنهج. ويضاف إلى ذلك ضعف اهتمام أعضاء هيئة التدريس بالمناهج النوعية بشكل عام، والمنهج السيميولوجي بشكل خاص.
وفي المقابل، فإن أقسام ومعاهد الإعلام والاتصال والصحافة بالمغرب العربي لديها الكثير من الدراسات الإعلامية التي وظفت المنهج السيميولوجي، ولهذا فإن مستوى المعرفة ودرجة الممارسة المنهجية تصل إلى مستواها العالي في تلك الجهات الأكاديمية، كما أن أساتذة الأدب ومتخصصي اللسانيات في المغرب العربي لهم مشاركات بحثية عديدة ومهمة في مجال الإعلام بعكس ما هو موجود في المشرق العربي، فهولاء المتخصصون في مشرقنا العربي أقصروا دراساتهم على المجال الأدبي وبعض المظاهر الثقافية التي يغيب عنها الإعلام أو لا يأتي إلا نادراً. ولربما بناء توجهات منهجية إضافية للمنهجيات القائمة في أقسام وكليات الإعلام في المشرق العربي وخاصة في الجامعات السعودية والخليجية سيكون بمثابة إضافة أبعاد جديدة لفهم الظاهرة الاتصالية على المستوى الوطني والعربي, وهذا ما نحتاجه في هذه المؤسسات الأكاديمية الإعلامية.