تزامناً مع اليوم العالمي للأسرة نظمت هيئة حقوق الإنسان الأسبوع الماضي بحضور رئيسها المتميز الدكتور بندر العيبان، وبرعاية كريمة من أمير منطقة مكة المكرمة الأمير مشعل بن عبدالله ملتقى «وبالوالدين إحساناً « هذا الملتقى الأسري الهام والذي استضاف مختلف الشخصيات والتخصصات ركز على مفهوم العلاقة الوالدية الطيبة، ومعالجة العقوق وأسبابه، وإعادة نشأة تلك العلاقة التي قد يساهم الآباء في انحرافها عن مسارها الطبيعي مما يسوء للكيان الأسري من قاعدته! هذا الملتقى الهام والذي يشكر القائمون على تنظيمه، تناول قضية حساسة جداً بدأت في الظهور في السنوات الأخيرة، وكلا الطرفين سواء الوالدين أو الأبناء يدفعان ثمن ذلك التدني في مستوى العلاقة العاطفية فيما بينهما، وكلاهما يتهمان بعض في تطور مستواها لما هو بعد العقوق! حيث تابعتُ شخصياً قضايا أسرية كثيرة يُتهم الابن أو الابنة بالعقوق، ويطالب أحد الوالدين بإيقاع عقوبة السجن والجلد عليهما بهدف تأديبهما، وتعديل سلوكهما لاحترام الوالدين ومعاملتهما المعاملة الحسنة، أو كما يطلبان هما أن يعاملهما الأبناء! وبعض الأمهات أو الآباء يتجهان لمراكز الشرطة وللمحاكم بكل إصرار للمطالبة بتنفيذ تلك العقوبة بأسرع وقت ممكن، بدون اعتبار لنتائج تطبيق تلك العقوبة على نفسيات وشخصيات أبنائهم لاحقاً! هذه النماذج من الأسر التي تعجز عن احتواء مشكلات أبنائها السلوكية، وتتجه للعنف الجسدي والنفسي لتأديبهم، وبعد ما تفشل في أساليبها التربوية العنيفة تتجه للمراكز الأمنية، أو المحاكم لكي تطالب بعقوبة السجن لإيقاف ذلك التمرد السلوكي الذي يسيطر على شخصيات الأبناء، إنما هي من الأسر التي لابد من التركيز عليها لتعديل مفاهيمها وأساليبها التربوية، والحد من عنفها تجاه أبنائها الضحايا الذين يدفعون الثمن في البداية والنهاية! حيث يفتقدون للمعاملة الحسنة والعاطفة الصادقة في طفولتهم ومن أقرب الناس لهم، وللاحتواء الصادق في مراهقتهم، وللاحتواء الحقيقي في شبابهم، وبعد ذلك يتوقع منهم المثالية في التعامل مع من حولهم، وخاصة الوالدين اللذيّن قد يكونان سبباً في شقاء الأبناء أو انحرافهم أو إجرامهم!!
ولكن هذا العقوق بلا شك لا يرضاه ديننا الذي أوصانا «وبالوالدين إحساناً» ولا رسولنا الكريم الذي وجهنا بأن «رضا الله من رضا الوالدين، وسخط الله من سخط الوالدين»، وهذه حقوق الآباء على الأبناء، لكن أين هي حقوق الأبناء على الآباء، والتي تبدأ من اختياره للأم الطيبة، وللاسم الحسن، والتربية المثلى، ألا يكفي أن من يُحسن تربية بناته يكنّ له ستاراً من النار، إلى غيرها من التوجيهات النبوية التي توصي الآباء بأبنائهم، حيث إن الغراس الطيب لا ينتج إلا طيباً، لكن ما نشاهده من بعض الأسر لا يبشر بالخير ولا ينتج للمجتمع إلا التفكك والضياع الأسري.
لذلك هذه الملتقيات الإنسانية عظيمة في أهدافها، ولكن أتمنى أن تكون بالتشارك في حجم المسؤولية ما بين الوالدين والأبناء، فالحملة (إلا والديك) التي أطلقها الدكتور النفسي «هاني الغامدي» والخبير في العلاقات الأسرية ليست من فراغ، وأطالب بعدها بحملة أخرى للحد من العنف تجاه الأبناء تحمل عنوان (إلا أبناءك) حفاظاً على التماسك والتواد والتواصل الأسري. كفانا وإياكم شر العقوق.