ظل التلاعب بحقوق المرأة، واستغلالها من أقاربها، ومن محارمها، سمة السنوات الماضية، ففقدت بعض النساء حقوقهن في حضانة أطفالهن، وفقدت أخريات حق النفقة، وأخريات خسرن أموالهن بتوكيل أشخاص غير موثوقين، وتنازلن عن أشياء كثيرة، لأن الرجل -وللأسف- يجلب للمحكمة امرأة غريبة، ومزورة، وليست صاحبة القضية، سواء زوجة أو أخت، لتقوم بتنفيذ ما يريد باسم المرأة الغائبة، التي لم تحضر، ولا تعرف أصلاً أن أحدهم استغل اسمها بطريقة مزورة عقوبتها مغلظة أمام الله سبحانه، والشرع، وأمام مختلف القوانين في العالم.
كم ضاعت حقوق نساء، وذهبت أدراج الرياح، لأن أحدهم استعان بامرأة، أو استأجرها، أو تآمر معها، كي تمثل أمام القاضي أنها فلانة، ولأنها لا تكشف وجهها، مع بعض شهود زور، قد ينطلي الأمر على القاضي، ويصدر أمراً أو صكاً، يدمر ما تبقى من حياة سيدة مظلومة، وقد حدثت حكايات، تم كشف بعضها في اللحظة الأخيرة بسبب فطنة القاضي، بينما لم يتم كشف البعض الآخر.
ورغم أن كثيراً من المواطنات طالبن منذ سنوات بتطبيق نظام البصمة في مختلف التعاملات، خاصة في المحاكم، لما يحدث فيه من احتيال أو مماطلة من قبل المحارم الذين تحتاج إليهم في تعاملاتها، من أجل إثبات شخصيتها، إلا أن تفعيل نظام التحقق من الهوية، وتطبيق البصمة في المحاكم لم يُدشن فعلياً إلا منذ عشرة أيام فقط، ورغم قصر هذه المدة، إلا أنه تم اكتشاف أول حالة احتيال أثناء إجراء سيدة لوكالة شخصية، فبعد كامل إجراءات الوكالة، وعند التحقق، طلب منها كاتب العدل وضع بصمتها على جهاز البصمة للتحقق من هويتها، ثبت أن صاحبة البصمة تحمل اسما آخر، وأقرت بعد سؤالها بانتحالها شخصية امرأة أخرى، وتم إثبات ذلك بتقرير ومحضر رسمي، قبل أن تُحال إلى الجهات الأمنية المختصة.
وإذا كان هناك انتصار حقيقي للمرأة خلال نصف قرن مضى، فهو نظام التحقق من هويتها بواسطة البصمة، لأن ذلك وحده سيحل معظم قضاياها، ولعل أبسط موضوع هو تذمر محارمها من الذهاب معها للمحكمة للشهادة والتزكية أمام القاضي، بأنها فلانة، خاصة في القضايا الطويلة والمزمنة، كالخلع، والحضانة، والنفقة، وما شابه ذلك .. أما الآن فيمكنها أن تتابع قضيتها بنفسها، تحضر متى طلب منها القاضي ذلك، تثبت شخصيتها، ويتحقق منها القاضي وكاتب العدل بواسطة نظام التحقق من الهوية، وبكل بساطة عبر بصمتها، لتنتهي مع ذلك عقود من الغش والتحايل والتهاون بحقوق المرأة ووجودها.
وطالما أن هذا النظام أصبح متوفراً، ومستخدماً في بعض الجهات الحكومية، كالمحاكم وكتابات العدل وغيرهما، لماذا أيضاً لا يتم استخدامه مع الجميع، حتى مع الرجل، خاصة مع عدم التثبت أحياناً من شخصية الرجل من خلال صورة قديمة، أو تلف بطاقة الهوية الوطنية، لأن ذلك سيجعل العمل أكثر دقة وموثوقية، بل ولعل تفعيل الرقم السري لبطاقة الهوية الوطنية يصبح أمراً واقعاً، لمزيد من الضبط، خاصة مع حالات استغلال استخدام هذه البطاقة من قبل الآخرين!
هي أسئلة حرضت عليها تسجيل أول حالة انتحال شخصية، بعد تطبيق نظام التحقق من الهوية في المحاكم وكتابات العدل، ولعل ثمة الكثير من الأمل مع جهود وزير العدل وطموحاته الواضحة .