عندما تحدث الكاتب الجزائري مالك بن نبي عن القابلية للاستعمار، لم يكن يقصد التعميم الشامل على كل الجزائريين والمغاربة وعموم العرب والمسلمين، وإنما عنى من يقبل بهوية المستعمر الأجنبي والخضوع لشروطه ولا يشارك في الجهاد ضد الفرنسيين.
كذلك الكاتب السعودي منصور النقيدان، عندما تحدث عن قابلية السعودي للاستحمار في ميادين الجهاد الفوضوي في الخارج، لم يقصد التعميم الشامل على كل السعوديين بقابلية الاستحمار، وإنما عنى بالتحديد ذلك النوع الساذج المضحوك عليه في الداخل بشعارات الجهاد والتضحية، مما يجعله يتسلل إلى خارج البلاد بحثا ً عن الحور العين.
التعليل لقابلية الاستعمار عندما مالك بن نبي، أو للاستحمار عند منصور النقيدان يبقى في جوهره واحداً، هو التهيئة التربوية منذ الطفولة في البيت ثم في المدرسة والشارع والدائرة الحكومية. عندما تكون الطاعة بدون تفكير هي المحدد الأعلى للصلاح والقبول الاجتماعي والحصول على مكافأة الدارين، بينما يكون التفكير قبل القبول هو العلامة الأهم على التمرد وشق عصى الجماعة والخروج، هنا بالضبط تبدأ برمجة القابلية للاستعمار عند مالك بن نبي، ولقابلية الاستحمار عند منصور النقيدان.
لكن ثمة فرق نوعي في الناتج النهائي لقابلية الاستعمار يختلف عنه في القابلية للاستحمار. الرفض في الأولى هدفه رفض الطاعة للمستعمر الأجنبي ومحاربته بالعودة إلى الهويات الدينية والوطنية والتاريخية الجامعة، للوصول إلى لم الشمل داخل الإطار الحضاري الوطني المتكامل. الرفض في الثانية يهدف إلى رفض الطاعة للإرهاب المتاجر بالمذهب والطائفية، تفاديا ً للتحوُّل إلى حمار يسخِّره راكبوه لتدمير الهويات الجامعة نفسها التي يوصي مالك بن نبي بالحرص والعودة إليها.
قبل أسبوعين أو نحوها سألت مذيعة الأخبار في قناة العربية كاتب الرأي السعودي منصور النقيدان، عن رأيه في سهولة استغلال الشباب السعوديين في العراق وسوريا من قبل عتاة الإجرام في القاعدة وداعش والنصرة.
العائدون السعوديون الهاربون من جحيم العصابات هناك يتفقون فيما يروونه عن مصادرة جوازات السعوديين وإحكام الرقابة عليهم واستخدامهم كمتاريس في جبهات القتال الأمامية للموت المجاني، وكأبواق إعلامية لتشويه مجتماعتهم ووطنهم وأهلهم ومرجعياتهم الشرعية، بعد تحطيمهم معنوياً ً وقطع خطوط الرجعة عليهم.
يتفق الهاربون العائدون إلى الديار أيضا ً على أنّ القيادات في تلك المنظمات أخزاها الله تمارس من الأعمال المحرمة شرعا ًوعرفا ً ما لا يخطر على البال، بما في ذلك استباحة الأعراض واستعمال المخدرات والمتاجرة بها.
جواب منصور النقيدان بدا صادما ً، لأنه رمى السهم المناسب نحو الهدف الصحيح حين أجاب قائلا ً: لأنّ السعودي يسهل استحماره، وهذا ما حصل في أفغانستان والشيشان والبوسنة وألبانيا واليمن والعراق والشام.
الحاصل أنه بمجرّد وصول الشاب السعودي إلى مستنقعات القتال الغامضة في الخارج، يتحوّل إلى عجينة طيعة في أيادي متمرسين على السبي والنهب وتجارة المخدرات والقتل على الهوية.
هذا هو المقصود بسهولة الاستحمار، ومن تربى على الطاعة بدون تفكير مستقل منذ بداياته الأولى، يسهل استغفاله واستحماره في الخارج.