) نحن مستهدفون!! نجتر هذه العبارة التقليدية دائما حتى أصبحت من لوازم التعبير، في أي خطبة منبرية، وفي أي تصريح لمسؤول، في حلقات النقاش، وفي المنتديات العامة والخاصة. نصدح: بلدنا مستهدف، مجتمعنا مستهدف، أمتنا مستهدفة، بالتأكيد لو سألت أيّ متحدث، ولماذا نحن مستهدفون ؟ فإن الإجابة مقولبة وجاهزة، لا نحتاج إلى إعمال الفكر، حفظناها منذ نعومة أظفارنا، قبل أن نكون مسؤولين، وأخذنا عليها الدرجة الكاملة في (التعبير) من باب التقليد الأعمى، نعم مستهدفون، لأننا مجتمع مسلم محافظ، وننعم بالأمن والرخاء، ولدينا أعظم المقدسات التي نستقبلها في اليوم والليلة خمس مرات، وإليها تشد الرحال!! وأعداء الملة والدين يغيضهم ما نحن عليه، وما نعيشه من الأمن والاطمئنان، وهم لا يتركون وسيلة إلا ويسلكونها في سبيل تعكير هذه الحياة التي نتقلب في أعطافها؟؟
وأحيانا على بكرٍ أخينا
إذا لم نجد إلا أخانا
) نفرط في جلد ذواتنا، ونفرط في اتهام بني جلدتنا، بالتآمر، والتكالب، والتربص بالمجتمع، واستهداف قيمه وأخلاقه، ومن المؤكد أن تلك المغلوب على أمره.
) حمدا لله على كل حال، لكن بروز بعض الظواهر السلبية، وصعوبة معالجتها، أو السيطرة عليها، والاستسلام لها جعلنا نبرر لأنفسنا الواقع الذي نعيشه، وإن كان على غير ما نرغب في دواخلنا، لنضرب على بعض الظواهر التي نحتل فيها مراكز متقدمة من بين دول العالم، رغم توافر الإمكانات، والجو الديني الذي نستظل بظله، فلو سلمنا في موضوع تهريب المخدرات وترويجها وارتفاع نسبة تعاطيها بين الشباب على أن ذلك نابع من الاستهداف المركز على بلادنا، فكيف نسلم بالظواهر الأخرى التي نتصدر فيها، أو نكاد دول العالم، ففي مواقع التواصل الاجتماعي واستخدام الانترنت يأتي شبابنا في الطليعة من بين شباب العالم المدمن، ليس بحثا في طلب العلم، بل في العالم الهزلي، ووسائل الترفيه. وفي نسبة الحوادث، وما ينجم عنها من وفيات نكاد نتصدر المشهد المأساوي القاتل، وفي الإصابة بمرض السكري لا نبعد عن تلك المواقع المثيرة للقلق، وفي أمراض القلب وأعراضه تبدو نسبة الإصابة مقلقة على مستوى العالم، وقس على ذلك السمنة المفرطة بين الشباب والشابات التي تتجاوز حد المعقول، كما ويأتي استهلاك أسواقنا المحلية للسلع المغشوشة في ترتيب لا نحسد عليه. هذا ما أمكن أن تسعفنا فيه الذاكرة من عالم الصدارة والمتصدرين. إذن إلى ماذا نعزو تلك الظواهر وانتشارها. أهو داخل كذلك تحت الاستهداف الذي نبرر فيه ما لا نريد، أو نرغب فيه؟
) إنني على يقين تام أن بعض تلك الظواهر لو استطاع كل قطاع، أو مسؤول أن يبرر ذلك لفعل، وبدون حرج، لكن بعضها غير مستساغ، ونحاول والحالة هذه الإسقاط على الأسرة حينا، وعلى المؤسسات التربوية والدينية حينا آخر، وربما عزونا ذلك إلى عدم وعي المجتمع وقلة ثقافته وتهاونه، وتفككه، وعدم قدرته على تحمل مسؤولية ذاته.أقسى ما على الإنسان أن يعرف الحقيقة، وتظل لديه طي الكتمان والتجاهل.
) وإن قسوت في التعبير، ليسمح لي القارئ أنه ليست دينا الشجاعة الكاملة للاعتراف بكل شيء، الاعتراف بأننا مجتمع مخدر في جميع مفاصله، أو مريض من رأسه إلى أخمص قدميه، لا تجدي معه كافة المضادات، مجتمع أصبح ضعيف المناعة، ضعيف الإرادة، لأسباب كثيرة. مجتمع ابتلي بالتقليد وحب المظاهر، مجتمع اتكالي وغير قادر على المنافسة مع عالم الأقوياء.
) المجتمع بكل أطيافه مدان على تلك الحالة التي أمسينا عليها، لا فرق بين المثقف، وعالم الدين، والمواطن العادي، ونحن وإن بدا بيننا ذلك التفاوت في الطرح إلا أننا أمام الواقع مدانون.
) بناء المجتمع وإعادة تأهيله من جديد ليس بالأمر الميسور، فهو يحتاج إلى عزيمة وإرادة من صناع القرار والسياسات من جهة، وإرادة مجتمعية تستشعر الخطر، وتقبل التحدي من جهة أخرى.