بلا شك أن الظاهرة المهيمنة في القرن الحادي والعشرين هي ظاهرة شبكات التواصل والاتصال الاجتماعي بما يمثله من ريادة الفيسبوك وتويتر ويوتيوب وواتس أب وغيرها كثير.. وهذه الظاهرة أصبحت حقيقة يلمسها الجميع من قيادات سياسية إلى مؤسسة مجتمعية وإلى مجتمعات ومواطنين،
بمعنى أن الجميع أصبح مؤثرا ومتأثرا بهذه الظاهرة..
ما يلفت الانتباه إلى هذه الظاهرة أن كثيرا - إن لم نقل جميع - المؤتمرات العالمية والإقليمية والمحلية في كل دول العام تدرج موضوع تأثير شبكات الاتصال والتواصل عبر الإنترنت في برامجها العلمية ونشاطاتها البحثية، بغض النظر عن طبيعة موضوع المؤتمر سواء كان في الاقتصاد أو السياسية أو الأمن أو التعليم أو الثقافة أو الدين والشريعة وغيرها وربما جميع الموضوعات الحياتية، ناهيك عن مؤتمرات الإعلام التي تتناول بالضرورة تأثير هذه القنوات الاتصالية الجديدة على القنوات التقليدية وتأثيرها على عملية الاتصال من ناحية وتأثيرها على الجمهور من ناحية أخرى.
وتتفاوت هذه الدراسات عن تأثير الظاهرة الاتصالية من مجتمع لآخر، فهناك دراسات معمقة في مجتمعات متقدمة، ودراسات أقل تعمقا وأقل شرحا وأقل شفافية في دول أخرى، معظمها من الدول النامية نتيجة عدم الصرف الكافي لإجراء مثل هذه الدراسات المستمرة.
وما يميز دراسات الدول المتقدمة هو أنها دراسات لمؤسسات بحثية، بينما دراسات الدول النامية معظمها فردية وتنبع من جهود شخصية يحكمها تخصص الباحثين. وهناك فارق في أن يشارك في دراسة فرق بحثية وبين أن يشارك في دراسة أخرى باحث أو اثنين أو ثلاثة.
التقدم الذي تحرزه نتائج الدراسات المتقدمة ذات الصبغة المؤسسية هو كونها تسعى إلى سؤال التحكم والسيطرة على تداعيات وتأثير هذه الظاهرة على السياسة والاقتصاد والمجتمع والعالم بشكله الواسع. ودراسات الإعلام عن وسائل التواصل الاجتماعي في مجتمعنا لم تصل إلى العمق المنهجي والطرح النظري المتقدم، حتى في رسائل الماجستير والدكتوراه لا زلنا نراوح في استخدامات هذه الوسائل وإشباعاتها. ورغم الأهمية العلمية لمثل هذه الدراسات، إلا أنها تظل بجهود فردية وبدون دعم مادي يرتقي بها إلى مستويات منهجية ونظرية متقدمة. كما أن الأسئلة التي تطرحها دراسات الإعلام عن الإعلام الجديد تأتي بشكل مباشر في إطار إعلامي محدود دون أن تمتد لقضايا المجتمع الحقيقية ولا تتناول تقاطعات مباشرة مع تخصصات ومجالات أخرى علمية أو مجتمعية.
والمشكلة التي تعاني منها معظم دراسات شبكات الاتصال والتواصل الاجتماعي هو التجدد المستمر في التقنية، حيث تتسارع تطوراتها مما يجعل البحث الذي يعالج الأثر يأتي متأخرا عن قياس الاستخدامات الجديدة لهذه الوسائل. ومنذ دراسات الإعلام الأولى مطلع القرن العشرين مع السينما ثم الإذاعة والتلفزيون وموضوع التقنية هو هاجس بحثي دائم ومورق للباحثين، ولهذا فليس غريبا أن ينشأ داخل تخصص الإعلام مجال بحثي دقيق عن تقنيات الاتصال أو تقنيات الإعلام، ولهذا الفرع التخصصي نظرياته ومناهجه ومناقشاته ومؤتمراته وبحوثه ودورياته العلمية. وهناك تحالفات بين الصناعة الاتصالية وبين البحوث الإعلامية والاجتماعية لدراسة تأثيرات التقنية على جمهور معين أو على المجتمع بإجماله.
وإذا نظرنا إلى منطقة الشرق الأوسط نجد أن هذه الظاهرة قد ضربت بقوة في تأثيرها على مجتمعات هذه المنطقة وأثرت فيها تأثيرا بليغا على مختلف المستويات والمجالات، وأصبحت منظومة هذه الشبكات ممتدة في كل مجتمع وأسرة وفرد، كما أصبحت هذه الشبكات مصدر قلق أمني، وقلق تربوي، وقلق أسري، وحتى قلق إعلامي، ناهيك عن القلق السياسي والاقتصادي والديني على تأثيرات مثل هذه الوسائل على المجتمعات. وتمكنت هذه الوسائل من تغير مجرى تاريخ بعض المجتمعات، وبنت تحولات نوعية سواء بالسلب أو الإيجاب.
وعلى الرغم من هذا التأثير الهائل من قبل شبكات التواصل والاتصال الحديثة على مجتمعات المنطقة بما فيها المجتمع السعودي، إلا أننا في بلادنا لا زلنا في نقص عن دراسات كبرى ودراسات معمقة ودراسات شاملة عن هذه الظاهرة المهيمنة على المجتمع.
ولا يمكن للأسف أن تكون الجامعات طرفا في مثل هذه المشروعات الكبرى إذا كان دعم البحث العلمي ضعيف جدا وموزع بين الكليات والأقسام بقيمة مادية ضعيفة جدا لا ترقى أن تاخذ اسم دعم لمشروعات صغيرة فما بالكم بمشروعات كبيرة.
وما تحتاجه المجتمعات العربية والخليجية على وجه التحديد هو مشروعات دراسات كبرى لتأثير هذه التقنيات الاتصالية على مستقبل الجيل الجديد ومحاولة معرفة حجم التأثير الذي يمكن أن توقعه هذه التقنيات على مستويات الفرد والأسرة والمجتمع والدولة.