اعتدنا قيام القوات المسلحة بتنفيذ الانقلابات العسكرية، إذ يقوم أحد الضباط أو مجموعة منهم، بتنفيذ ذلك الانقلاب، ترجمة لطموحات شخصية أو بتخطيط من قوى خارجية، أو عدم انضباطية قادة القوات المسلحة التي تورّطت في تنفيذ الانقلابات العسكرية. مشكلة ابتلت بها الدول المتخلِّفة، إذ لم نشهد أو نعلم دولة متقدمة من الدول الأوروبية ولا أمريكا لجأت لهذه الوسيلة، إذ انحصرت الانقلابات في دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا ومنها الدول العربية، والملاحظ أنّ الانقلابات دائماً تعقب حصول الدول على استقلالها بعد سنوات الاستعمار، وبالتالي فهو وصفة استعمارية وإنْ تأجّل تنفيذها على يد ضباط مغامرين.
هكذا عرفنا عن الانقلابات، دورٌ يؤديه ضباط مغامرون معظمهم مدفوع من الخارج، والأغلب من القوى الاستعمارية التي حكمت البلاد، الآن اختلف الأمر إذْ لم يَعُد الضباط يحبذون القيام بالانقلابات العسكرية، والعالم لم يَعُد يعترف بهذه الانقلابات، واقتنع الضباط بالبقاء في ثكناتهم وتنفيذ واجباتهم والقيام بالتمارين والمناورات السنوية لتنفيذ برامجهم القتالية، إلاّ أنّ القوات المسلحة أصبحت هدفاً للشعوب المظلومة، والتي تعاني من التعنُّت والاضطهاد، وكون الجيش هو القوة العسكرية المنّظمة والأكثر قدرة على الحسم، فقد أصبح مطمحاً للشعوب لتخليصها من الحكام الفاسدين، وهكذا أخذت الشعوب المبادرة وتخرج في تظاهرات، طالبة من القوات المسلحة تخليصها من حكم الطغاة، وهذا ما شاهدناه وما حصل في مصر، التي خرجت الملايين من أهلها يطالبون القوات المسلحة تخليصهم من حكم الإخوان الإقصائي، وبعد نجاح الخطوات الأولى من خارطة المستقبل التي يشرف على تنفيذها الجيش، دون أن يمارس الحكم المباشر حتى وإن اتجه الشعب المصري إلى تنصيب قائد الجيش رئيساً للبلاد، بعد انتخابات اعتبرها الكثيرون انتخابات نزيهة، تنتقل التجربة، أو لنقل العدوى الإيجابية للجارة ليبيا، التي تكاد تنهار بعد تسلُّط المليشيات الحزبية والقبلية، وبعد سطوة الإرهاب المسلّح، فلم يجد الشعب الليبي سوى الجيش ملجأ لإنقاذه من الواقع المرير الذي يعيشه، ومع أنّ ليبيا تفتقد إلى جيش نظامي كالجيش المصري، إلاّ أنّ اللواء خليفة حفتر استجاب لرغبة الشعب، وبدأ خوض معركته لمحاولة استرداد ليبيا من المليشيات المسلحة والنأي عن حكم الإرهاب.
حفتر يخوض معركتين في آن واحد، معركة توحيد وإعادة تكوين جيش وطني قادر على مواجهة أكثر من ألف تنظيم مليشي مسلح، ومعركة يخوضها بالتزامن مع مهمة التكوين هي التصدي لهذه المليشيات والقوى الداخلية والخارجية، التي تريد تحويل ليبيا إلى مستودع للإرهاب الإقليمي.