استكمالاً لما توقفنا عنده في الحلقة السابقة؛ إذ كان الحديث عن بعض الأبيات التي وردت في إصدار الراوي فهد الغسلان، والتي أوردها كأمثال متداولة؛ إذ ذكرت أنها لم تكن كذلك، نستكمل بعضاً من تلك الأبيات؛ إذ أورد أبياتاً للشاعر (الهجلي)، وهي عبارة عن مقطع جميل ومؤثر، وفيه تعبير عن حالة إنسانية خاصة بالشاعر حينما كان في سجن ابن رشيد، ونصّ على البيت الذي يقول:
يذكر نفر عمه ووالف سميّر
يبي الليان ومن لقى اللين يتليه
وذكر أن الشطر الأخير قد درج كمثل عند العامة في نجد، والحقيقة أنه كمثل غير معروف حتى وإن كان يصلح أن يكون كذلك، لكنه في واقع الحال غير متداوًل، ولم يشتهر كمثل في نجد. والأمثال الدارجة ليست خاضعة للانتقاء، ولو كانت كذلك لوجدنا الكثير منها من خلال القصائد المتداولة. والأمثال كما هو معروف دائماً ما تأتي من خلال بيت أو شطر فقط. ومن تلك الأمثال التي تأتي على شكل شطر قول الشاعر راكان ابن حثلين:
ما قل دل وزبدة الهرج نيشان
والهرج يكفي صامله عن كثيرة
ومثله قول الشاعر غانم اللميع:
الوعد وان سيّل الله كل وادي
حرمة اليسرى ترى الممشى يمينا
وكذلك قول الشاعر عباد الخشقي:
اللي معه مالٍ يسمى كحيلان
واللي فقيرٍ لو قرا بالبخاري
فنجد أن الشطر الأول هو الدارج والمعروف والمتداول بين العامة كمثل، أما الشطر الثاني فليس بالضرورة استحضاره؛ لأنه إضافة فنيّة. كما أن بيتي اللميع والخشقي ربما أكثر من يرددهما لا يعرف القائل ولا بقيّة البيت.
أما الأمثال التي تأتي على شكل بيت كامل فلا بد من استكماله لكي تصل الفكرة ويستقيم المعنى، وهي كثيرة أيضاً، ومثال ذلك قول الشريف بركات:
منول يا ذيب تفرس باياديك
واليوم جا ذيبٍ عن الفرس عداك
وكذلك أيضاً قول الشاعر أبو جري الجنوبي:
لا صار ما للرجل راي يدله
ياخذ من اشوار الرجال دليل
فمثل تلك الأمثال لا يمكن أن تأتي بشطر وتترك الآخر، ومن الضروري استحضار البيت كاملا لإيصال الفكرة المراد تمريرها.
والأمثال دائماً ما تأتي مختصرة ومقتضبة، سواء كان ذلك نثراً أو شعراً.
نعود إلى الإصدار وما تضمنه من أمثال؛ إذ أورد بيتاً من أشهر الأبيات الدارجة، وهو الذي يقول:
ترى السوالف يا ذهان الرجالي
تسمج إلى عرضت على غير أهلها
وهذا البيت يحمل قيمة فنية عالية، ويحكي واقعاً اجتماعياً، ويعبر عن رؤية ثاقبة. وقد أغفل الراوي اسم قائله؛ إذ ذكر أنه لأحد شعراء قحطان، وأنه مختلف عليه، والحقيقة أن البيت معروف لدى الكثير من الرواة أنه للشاعر (محمد بن مسعر القحطاني) حتى وإن نسبه البعض ومنهم الأديب الراحل الشيخ عبدالله بن خميس ـ رحمه الله ـ للشاعر (ناصر بن عمر)، إلا أنها رواية ضعيفة، وهذا البيت لا يضاهيه سوى قول (المطوطح) وينسبه البعض لفجحان الفراوي، والبيت يقول:
ماني على زين السوالف بخيلي
وهرجٍ على غير النشامى غثا بال
عموماً، هذه مجرد انطباعات عابرة؛ لأن عملاً كهذا يستحق مثل تلك الوقفة، ويظل الراوي فهد الغسلان الأفضل في الساحة كما أراه.