في إحدى غرف الانتظار المخصصة للنساء حضرتُ مسرحية مضحكة (في بادئ الأمر) بين طفلين لا تتجاوز أعمارهما السادسة.
يتبادلان الأنظار المطعمة بالغيرة ومحملة بكثير من الغيظ كلٌ منهم يترصّد للآخر من دون أي علاقة عداء مسبقة ينتظران الفرصة المواتية ليقتربا من بعضهما لسبب لا أعلمه! رغم أنها المرة الأولى التي يلتقيان فيها إلا أنّ كمية الغضب اللامعة في عين أحدهما محيرة! وبعد مدة ليست بالطويلة من التمعُّن ببعضهما اقترب الأول الذي يشتاط غضباً وقام بتوجيه لكمة لصاحبه الذي استنكر هذا الفعل والتفت إلى والدته بنظرات التعجب والاستنجاد في آن واحد، ووالدته سارعت في أخذه وذم تصرف الطفل الآخر وتوجيه ابنها للصواب بتركه، كل هذا كان على مسمع ومرأى من الطفل المعتدي، فاستخدم سلاحه الثاني (لسانه) فقام برشق الكلمات ذات العيار الثقيل أي اللاأخلاقيه ليشفي بها غليله من الأم وابنها !! جعلتني والمنتظرات في ذهول من هذا الكم الهائل المنبعث من طفل في عامه السادس ؟؟ حتى أن والدته اكتفت بقول « عيب يا ولد» وازددنا ذهولاً من هذه الأم المربية...! عفواً أكتفي بنعتها «أم» فهي ليست جديرة بأن تكون مربية...!
(انتهى المشهد)
كلاهما في العمر ذاته وكلاهما نشأ نشأة مختلفة عن الآخر.. فالمعتدي هو من بدأ النزال وهذا يدل على أنه ترعرع في بيئة عدوانية تستخدم القوة والإذعان حتى في مُضغ الأمور، وتدفعه للتعبير فيما يجول في خاطره بيده قبل لسانه، وبالمقابل الطفل الآخر مرآة تعكس كل جميل تلقّاه من تلك الأم المربية التي أحاطت به من كل جهاته، فالواضح أنه لم يعتاد على هذا النوع من التصرف .!
أراه عينيه من جيل يانع!!
موقف آخر!!
عملت في روضة للأطفال لمدة وجيزة! استطعت أن أرى حول كل طفل هالة كبيرة توضح نوعية البيئة التي نشأ فيها!! ذات يوم لفت نظري طفل صغير وأخته، أحسست وأنا أراقبهما من مسافة أنهما في مأزق وهممت بالمساعدة، فوجدت الطفلة تبدل ملابس أخيها في دورات المياه بعد أن اتسخت , عرضت عليها المساعدة ولكنها رفضت رفضاً قاطعاً حتى أنّ الطفل توجّس خيفة من إصراري عليها!! فتراجعت واكتفيت بالمراقبة عن بعد وإذ بها تتصرف كالأم المتمرسة في عملها!!
بعدها أيقنت أني من وقع في المأزق وليس هي، كنت كالدخيل المتطفّل عليهما!!
شدة إعجابي لهذه الطفلة جعتلني طيلة الأشهر الماضية أسرده مراراً وتكراراً على كل من أقابل .. بارك الله فيمن قام بتربيتها.
انتهى المشهد
أعزائي، الطفل يعامل أقرانه بما يُعامل به، فهو قالب يتشكّل بما يُصب في جوفه!!! إن كان خيراً فخير وإن شراً فشر! وهذا ما حصل في المشهد الأول، جميعنا استنكرنا عدوانية الطفل المعتدي، ولكن صعقنا أكثر كمية كلمات الشتم التي يملكها! فهو أسلوب لا يمكن قمعه مع تقدم الوقت ولا حتى تعديله وتقويمه إذا دق ناقوس الخطر! (عند هذه النقطة أرجو أن يتحرر البعض من معتقدات خاطئة حيث ينمي العدوانية بطفله ليكون شجاعاً! فالشجاعة بوادٍ غير واديكم!!)
وبالمثل فإنّ الأخلاق المعطوبة غير قابلة للإصلاح!!!
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ..
لا تستهتروا بقول كلمات محظورة أمام أبنائكم،، كأنكم تقذفون بأولادكم في وحل يصعب الخروج منه،،! احذروا من الإقدام على قول أو فعل قد تندمون عليه فيما بعد، لأنّ الأطفال بهذه السن يحاكون والديهم في التصرفات والحديث ، حاولوا أن تكونوا أمام أبنائكم قدوة حسنه بتصرفاتكم، حكماء بألفاظكم حتى تنعكس تلك التربية الراقية على فلذات أكبادكم ..
(هي الأخلاق تنبت كالنبات
إذا سقيت بماء المكرمات)
أخيراً،، إنّ الأخلاق غرائز كامنة تظهر باختيارنا، وتتجسّد في هندامنا، وتمثل دواخلنا، وهي ما نشيد بها المستقبل ونتكئ عليها في علاقاتنا ..
وأولادكم مرآتكم فدعوا مرآتكم نظيفة لامعة!!