يُؤسفني حقاً أن أكتب بكلماتي عن عادة سيئة تقتحم خصوصيات الآخرين بدون إذن، وتحيك الرواية جيداً حتى تسحر المستهدف، وتأخذه على حساب أعراضهم وأحزانهم وخصوصياتهم.
ما نراه في الآونة الأخيرة، وما تتناقله وسائل الاتصالات الحديثة يُعد سبباً في انتشار الشائعات، فهي تقوم بنشر كمٍ هائل جداً من المعلومات في وقت يسير جداً وبكل يسر وسهولة، ولا نرى أمامنا سوى كرة ثلج تتفاقم دون ردع، حيث يكون المناخ مهيأً لنموها وانتشارها، وتنمو الشائعات في ذلك المناخ لعدم وجود شفافية، فعندما يكون هناك غموض في أي موقف تكون الفرصة سانحة لإطلاق شائعات مغرضة من قِبل بعض الناس ليتوّج الجهل تلك بوصفها من الحقائق.
والإسلام حرَّم الشائعات، وحذَّر منها من منطلق إيماني أخلاقي حفاظاً علي العلاقات الاجتماعية وتنمية للعلاقات الإنسانية.. يقول الله تعالي:
{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}.
ومَن يقرأْ تاريخ الأنبياء عليهم السلام وقصصهم مع قومهم في القرآن الكريم يدرك أثر الشائعات وخطرها على الدعوة إلى الله، فمثلاً نوح عليه السلام رماه قومه بالضلال والجنون، وموسى عليه السلام قالوا عنه: ساحر.. ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، فقد ابتُلي بحادثة الإفك.
ولما جاء رجلٌ إلى عمر بن عبد العزيز، وقال له: إن فلاناً يقول فيك كذا وكذا، قال لَهُ عمر: إما أنت صادق فأنت نمام، والله تعالى قد قال: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ}.. وإما أنت كاذبٌ فأنت فاسق، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ}.
ولا بد من الحد من هذه البلبلة، وذلك بعدم ترديد الشائعات ومحاولة التّحقق بشكل يقيني من صحة أو كذب هذه الأخبار، لذلك لا نجعل ألسنتنا وأيدينا متعطشة دائماً لهذا الفعل القبيح، ولندرك حقيقة ما يفعله البعض من الرقص على جراح الآخرين والظلم والبهتان، مما يشعل فتيله الفتنة في المجتمع.
فلا بد من البدء ببتر هذه الظاهرة وعدم إعطاء الآخرين فرص إثارة البلبلة والشكوك، وجعل الخطأ صحيحاً، والعكس صحيحاً حتى ننعم بمجتمع متماسك يخاف على بعضه البعض.