الظاهر لي منك ما هو؟ .. والظاهر لك مني ما هو؟
الظاهر لنا من البشر، من الحيوانات، من الكائنات الحية ما هو؟.. أليس شكلها الخارجي، مظهرها، بما تشتمل عليه من اللون، الطول، الملامح، أو غريزة البكاء، والضحك، والكلام، والصمت، وغرائز أخرى.
هل ظهر لك حينما ضحك وجهي، أو ضحكت ملامحي، هل ظهر لك أن قلبي ضحك أيضاً؟.. هو في علم النوايا الغيبية وإن تمكن العلماء من دراستك وفهمك من ملامح وجهك، وهو ما يُطلق عليه عِلم الفراسة وقراءة الوجوه وقد سُميت بـ(القيافة)..
.. حيث إن قيافة البشرة ولون الجلد يمكن أن يستدل بهما على الشخصية، فقد نقل علماء المسلمين هذا العلم عن اليونان، والرومان القدماء عندما لخّص الرازي كتاب (أرسطو)، وبرع في هذا العلم أيضاً ابن سينا، وابن رشد، والشافعي، وابن العربي.. وغيرهم من علماء العرب والغرب.. لكن تبقى المعرفة النهائية والدقيقة للخالق - سبحانه -.
نعم بإمكانك معرفة كوني سعيدة، أو حزينة، أو مهمومة، أو غاضبة.. والقرآن أشار إلى هذه المعرفة في قوله تعالى {تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ} (273) سورة البقرة.. بل إن المؤلفات في هذا الشأن كثيرة جداً، ولأن الموضوع محط اهتمام العامة نجد أن دور النشر نشطت في مجال الترجمة، ترجمة هذه المواضيع عن اللغات الأجنبية (وليتها تهتم بترجمة كافة المواضيع التي تمس الفرد والمجتمع وليس ما يدر عليها دخلاً فقط بحيث أصبح الهمُّ ربحياً أكثر من كونه تثقيفياً).
الترجمة، أو التأليف، أو تكثيف القراءة، تمنح المطلع - القارئ معلومة لن ترقى إلى درجة وعي وفهم من يمتلك العلم المؤسس على دراسة أو ملَكة من الربّ مدعومة بالدراسة والتثقيف والممارسة.
لكنك تعود فلا ترى مني سوى ما ظهر، ولا أرى منك سوى ما ظهر، أقصد الرؤية الكاملة والواضحة، ما لم أكن أو تكن أعمى، بحيث ربما تتفق معي في تأييد مقولة لـ(بول جير): (المجتمعات كالفاكهة، والدود يختفي في قلبها).
قد نشعر أحياناً أننا لوحدنا نشكّل مجتمعاً في داخلنا.. في حين أن المجتمع ذاته يُشكّله الأفراد.. لذا فمن المعقول أن نوافق (بول) أن المجتمعات كالفاكهة، بل والخضروات أيضاً.
كيف ذلك؟
أنت أو أنا أو كل شخص لا يحب كافة الفواكه، ومحتمل أن لا يستسيغ فاكهة أو فواكه معينة، أنت تتلذذ بها.
أمامك سلة فاكهة أو فواكه منوعة (موز، أجاس، مانجو، تفاح، برتقال، عنب، أفوكادو، رمان، كمثرى، خوخ.....) وفصائل الفواكه جميعاً.. إلى أي فاكهة ستمتد يدك؟.. أو تمتد يدي؟.. إلى أحبها؟.. أو إلى أسهلها هضماً إن كنت تناولت وجبة دسمة.. هل ستتناول نوع فاكهة لا تشتهيها نفسك؟.. أيضاً في المجتمع هل ستصاحب من لا تشتهيه نفسك، لا يتفق وسلوكك أو طباعك ومنهجك؟
لو أرغمت شهيتك على فاكهة لا تستسيغها قذفها بلعومك خارجاً قبل أن تصل المعدة.. ولو صاحبت من لا يتفق وطباعك أو منهجك أجهضت الصحبة وهي (علقة).
ماذا لو مددت يدك نحو فاكهة تحبها والشهية تدفعك نحوها وبمجرد قضمها تساقط الدود منها!! فاكهة لا يدل مظهرها الخارجي على فسادها أو عفنها بَيْد أن الدود قد سكن قلبها!! قسْ على ذلك فرداً اتخذته خليلاً لك وصاحباً...!!
الفيلسوف (بول) قال: المجتمعات كالفاكهة، ولم يقل كالخضروات.. مع أن إمكانية تشبيهها بالخضروات قائم، لكنها كالفاكهة أبلغ.
الفاكهة حلوة، تُؤكل طازجة، أقرب إلى الشهية وأيسر هضماً وأسهله.
الخضروات أقرب للملوحة، قلّما تُؤكل طازجة ولا بد من طهيها، أقل قرباً من الشهية.. وفروق أخرى.
بمعنى أن الفاكهة وضوح جودتها وعفنها أيسر، وهي إلى الشهية أحب وأقرب، لذا نشمئز عندما نكتشف عفونتها، وننزعج عندما نكتشف سوء أخلاق من أظهر لنا جَمالاً لم يكن سوى تغليف خارجي لبضاعة داخله كاسدة..!! وهل أمرّ من جَمال ونصاعة، خارجية تُخبئ داخلها أو في قلبها دوداً.. وأي دود تكون منك، من عفنك لدرجة أن أشاطر الفيلسوف والمفكر المصري الراحل (يوسف كرم) أشاطره حزنه عندما عكف عشر سنوات على تأليف كتابه (الأخلاق)، وفي صيف 1948م سأله د. مراد وهبة متى تنتهي من تأليف الكتاب؟.. فأخبره كرم أنه انتهى من تأليفه ولكنه لن ينشره لأنه ليس قانعاً بما كتب.. وبدأ يكتب من جديد.. وفي عام 1958 زاره د. مراد وسأله عن الكتاب مرة أخرى فأخبره كرم أنه ما أن فرغ من تأليفه وقرر طبعه في اليوم الذي قرر، انهار المنزل الذي كان يقيم فيه واختفى كتابه (الأخلاق).. ولا نتمنى أن تختفي عن المجتمعات الأخلاق بحيث يظهر لي عكس ما تبطن أو يظهر لك ضد ما أبطن.. لذا ينبغي أن ينشط المفكرون والفلاسفة ودُور النشر في البحث والدراسة في الأخلاق أو في الترجمة لأنه - صلى الله عليه وسلم - بُعث ليتمم مكارم الأخلاق.