يقول وليد الإبراهيم إنه مستثمر في الإعلام وليس إعلاميا؛ وهنا يكمن سر التفوق الإعلامي للمجموعة في هذا التواضع من جانب وفي الجانب الآخر الوعي العميق بمفهوم اقتصاد المعرفة؛ وبكونه صناعة تسجل أرباحا ترفع المؤسسة الإعلامية إلى القمة أو خسائر تهوي بها إلى القاع، وبمعنى آخر: لن يكون الإعلام الناجح وظيفة ساكنة مضمونة تدر دخلا ثابتا، ولا كرسيا يخيل لمن يمتطيه أنه يدير العالم، ولا توجيهات معلبة محفوظة؛ بل هو: مغامرة إبداعية تحلق كل لحظة لمطاردة الخبر والمعلومة والكشف عن الحقيقة وتعزيز الثقة في النفس وإضاءة دروب الحياة واصطياد المتابع بتدليله من خلال الترفيه الراقي غير المبتذل.
الإعلام وفق الرؤية التي تنهجها مجموعة الإم بي سي بتنوعات أطيافها المتعددة وبطيفها الإخباري الكبير»العربية» قلبت الطاولة لمفهوم الإعلام القديم؛ فداست على الرتابة، وألغت من قاموسها المقولات المتواترة المترددة في الإعلام الرسمي للصياغات المحفوظة من باب: أشاد ونوه وعبر وأزجى وأثنى وجدد، أو نشرة طويلة كالمسلسل لا يمكن أن ينتهي منها المذيع إلا وهو يلهث باحثا عن شربة ماء يبل بها ريقه قبل أن تبدأ النشرة التالية!
في ثلاثة وعشرين عاما؛ أي من 1991م إلى اليوم تتابعت ولادات المجموعة بالشهر أحيانا أو بالسنة أو بالسنتين، من إذاعة إلى محطة، ومن طيف إلى أطياف إذاعية أو تلفزيونية مختلفة يديرها اليوم 2500 موظف؛ بينما انطلق الصوت الإذاعي الرسمي في 9 ذي الحجة 1369هـ والتلفزيوني في 9 ربيع الأول 1385هـ أي بفارق 65 سنة إذاعة و50 سنة تلفزيون، ولنا أن نتساءل بعد هذا العمر الطويل للصوت وللصورة الرسميتين: كم عدد المحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية التي توالدت؟ وما أطيافها؟ وكم عدد العاملين فيها؟ وما نوعية إنتاجها؟ وهل هيّأ ذلك التاريخ الطويل والخبرات التي تجاوزت نصف قرن أبناء هذا الجيل المتخرج فيها من أن يكون جيلا قادرا على المنافسة؟!
وتأتي الإجابة بعد أن امتلأ الفضاء بالمنافسين الأقوياء بالنفي؛ أما تلك الفترات الطويلة التي خلت فيها السماء من الأقمار فليست حجة على تفوق؛ لأن التميز لا يتبين إلا بوجود المنافسين، وبضدها تتميز الأشياء كما يقال.
ولو تأملنا أسرار نجاح نتاج ثلاثة وعشرين عاما بدوافع استثمارية أولى ثم دققنا النظر في ضعف نتاج أكثر من نصف قرن بميزانيات حكومية هائلة وآلاف من الموظفين العاملين في المؤسسة الرسمية؛ لأدركنا أن السر الأعظم غير المخفي الذي يحول عمل الساعة إلى أسبوع والأسبوع إلى شهر والنحاس إلى ألماس يكمن في «الإدارة الناجحة»!
ليس المال وحده سر نجاح أية مؤسسة؛ فقد يكب المال كبا في أحضان أية وزارة أو مصلحة حكومية وتظل تراوح في مكانها، وليس عدد الموظفين الهائل أيضا سرا آخر، ولا الألقاب المفخمة المضخمة لمن يدير الجهاز؛ بل يكمن النجاح كله في العقل الإداري الناضج الواعي صاحب الرسالة الملم بتفاصيل صناعة الإعلام من حيث المحتوى والجمهور المستهدف والأداء ووسائط الاتصال.
تكمن مشكلة الإعلام الرسمي الأولى؛ لا في المال ولا في العاملين ولا في التجهيزات؛ بل في الصورة المرسومة المحفوظة في المخيلة عند كثيرين ممن يديرون الجهاز الرسمي بأنه غنيمة وفرصة لا تعوض للمكاسب الذاتية ولتقريب الأصدقاء والخلان وإبعاد الغرماء والأقوياء، وتظل المؤسسة وفق هذا السلوك الإداري العقيم بقرة حلوبا للغنائم ومتنزها للفسحات وكرسيا للوجاهة!
استطاع العقل الإداري الاستثماري الذي يقيس النجاح والإخفاق بمعيار التاجر الناجح ورؤية الصائغ الماهر في مجموعة الإم بي سي أن يسحب البساط بسلاسة وبدون ضجيج من تحت أقدام المؤسسة الرسمية ويتركها مكشوفة في العراء تتحدث لنفسها؛ فقد اختطفت المجموعة صناعة الخبر، واستحوذت على هموم الوطن، ورفهت على طبقات غير قليلة من المتابعين.
وأصبح الإعلام المساند رئيسا بلا نمطية وبلا قيود!