بعد انهيار سوق الأسهم عام 2006، ظن الجميع أن تجربة الانهيار القاسية أعطت المتداولين والمستثمرين والجهات الإشرافية، دروسا لا تنسى في أهمية حماية السوق من التدليس، وتجنيبها المخاطر المدمرة، وتحييد الأسهم الخاسرة، وعدم السماح بتحولها إلى أوعية مضاربية يستغلها البعض لتحقيق الأرباح السريعة. يعتمد كثير من كبار المضاربين على حافز الطمع لدى رواد السوق لتحقيق أهدافهم الربحية، فهم لا يقبلون المشاركة في الربحية ولا يؤمنون بها، بل يؤمنون بالسيطرة الكلية على السهم، والخروج منه بثروات طائلة، تاركين الآخرين على بساط الفقر، والعياذ بالله.
سوق المال ليست المكان المناسبة لمن يُحسن الظن بالآخرين، فهي أشبه بالمحيط الهائج المليء بالأسماك الضخمة والأسماك الصغيرة، الباحثة عن الغذاء. تدفعهم غريزة البقاء، لالتهام بعضهم بعضا، والغلبة دائما للأسماك الضخمة. لدى بعض أسماك المحيطات الكبيرة، وسيلة تقليدية لاصطياد غذائها اليومي، حيث تفتح فمها بشكل واسع فتسارع الأسماك الصغيرة للدخول فيه بحثاً عن العوالق والفطريات، فتتحول في لحظات إلى فريسة لها.
يحدث أن تهرب سمكة من مؤخرة المجموعة الداخلة، وتعود إلى مياه البحر بدلا من جوف السمكة الكبيرة، فتكتب لها الحياة. إلا أنها تعود لتكرار فعلتها الأولى وكأنها لم تمر بتجربة الموت من قبل!.
عند مراقبة قطاع التأمين نجد أن فلسفة الاصطياد التقليدية تطبق فيه بفاعلية، تضمن النجاح دائماً، وللأمانة، فهي مطبقة أيضا في بعض أسهم المضاربة الأخرى.
الخسائر المتراكمة في كثير من شركات التأمين لم تمنع الباحثين عن الثراء السريع من المضاربة على أسهمها المسمومة طمعا في الربح السريع. انهيار عام 2006 يتكرر حدوثه في قطاع التأمين، إلا أنه يتخفى دائما بين أسهم القطاع و القطاعات الأخرى، فيكون تأثيره على السوق محدودا، و مُدمراً، في الوقت عينه، على صغار المتداولين.
التفتت هيئة السوق المالية فجأة لمخاطر سهم «وقاية للتأمين» بعد أن أيقظتها مؤسسة النقد العربي السعودي، من سباتها العميق. تحذيرات «ساما» جاءت متأخرة أيضاً، وبعد أن تآكل رأس مال الشركة، وتجاوزت نسبة الخسائر المتراكمة 97 في المائة من رأس المال. سارعت هيئة السوق لتعليق سهم «وقاية» عن التداول، وكأنها انتظرت الحصول على دعم خارجي، ومساند من أجل تنفيذ القرار.
يعتقد بعض المؤمنين بنظرية المؤامرة أن التعليق المتأخر أعطى فرصة ذهبية لأسماك السوق الكبيرة للخروج من موقع الحدث، وأن قرار التعليق، برغم أهميته ونظاميته، جاء متأخرا جدا وبعد «خراب مالطا»، فالحماية وعدالة التداول ربما غابا عن مشهد «وقاية» لأسباب خارجة عن النص. وقاية للتأمين، تحولت إلى (فايروس) مسموم تسبب في انهيار محافظ المستثمرين فيها. «وقاية» ليست الوحيدة في السوق، ولن تكون الأخيرة قطعاً، لذا أنصح «ساما» و»الهيئة» بفحص دقيق لشركات التأمين من أجل حماية سوقي التأمين والتداول، والمستثمرين والقطاع المالي الذي يمكن أن يتأثر بشكل دراماتيكي في حال تعثر بعض شركات التأمين عن الوفاء بإلتزاماتها المالية مستقبلاً.
لا أرغب في تكرار ما ذكرته منذ إنشاء شركات التأمين الضعيفة، لذا أقفز إلى الإجراءات الواجب اتباعها اليوم، وهي إجراءات أشرت لها قبل أكثر من أربعة أعوام. لا مفر من اندماج شركات التأمين الحالية، إذا ما أردنا أن نحصل على كيانات قوية قادرة على التعامل بكفاءة مع سوق التأمين الوليدة.
ولا مفر من رفع الحد الأدنى لرأس مال شركات التأمين الجديدة لضمان جودة خدماتها المقدمة. ولا مناص أيضاً من وقف تجاوزات مجالس الإدارة، في إدارتهم لأحد أهم القطاعات المالية، وتشديد الرقابة على أداء الشركات، وإعادة هيكلة القطاع، مستفيدين من الخبرات العالمية الناجحة، وخلق سوق تأمينية متطورة تقوم على أسس متينة من الجودة الإدارية، الكفاءة، الملاءة المالية، والربحية. يوشك أن يطبق قطاع التأمين على سوق المال السعودية، مسببا أضرارا فادحة للسوق، وللقطاع المالي بشكل عام. ارتباط بعض شركات التأمين بالمصارف السعودية قد يتسبب في الإضرار بالقطاع المصرفي، وقد يتسبب في نزع ثقة المودعين بالمصارف المرتبطة بتلك الشركات. خطر قطاع التأمين أكبر مما يعتقده المختصون، لا العامة، والإمعان في تركه مسرحا لعبث العابثين قد يُحَمِّل، النظام المالي، و الاقتصاد الوطني خسائر فادحة يصعب معالجتها مستقبلا.