لم يكن للتصنيفات الفكرية التي تعصف بمجتمعنا اليوم في بدايات نشأة الشباب الذين يبلغون الآن الخمسين من أعمارهم أي حضور أو شأن أو معنى أو أهمية، أحدهم كغيره من شباب تلك الفترة منذ البدايات الأولى لنشأته وتكوين مدركاته المعرفية وهو يعيش في بيئة متديّنة، مثل السواد الأعظم من الأسر السعودية التي يُعد التديُّن سمة رئيسة في تكوينها المعرفي والوجداني والعملي، فالكل يعرف أركان الإسلام الخمسة ملتزم بها، وفق أصولها الوسطية، وصفاتها الموضحة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والكل يحرص على تنشئة أبنائه وفق هذا النهج من التديُّن الوسطي في المفاهيم والممارسة.
الأسر السعودية في الجملة محافظة على أداء عباداتها وفق الشرع الإسلامي الحنيف، ملتزمة بهدي القرآن الكريم، وبسنة النبي الكريم، لهذا لا غرو إن نهجَ أي شاب نهج الأسرة والتزم به، لكن من غير انتماء فكري معين لأي من التيارات الفكرية والحزبية التي أخذت في الوقت الحالي عناوين مختلفة، يجمعها الإسلام ظاهرياً، أما حقيقتها الباطنة فتعجب منها غاية العجب، نظراً لما بينها من صراع وتناحر، ولما يكنه كل منها للآخر من عداوة وكراهية، وتكفير وتبديع، تناحر وتدابر، بغضاء وكراهية، تكذيب وتشكيك، وقس على ذلك من المفردات والعبارات التي تثير الحيرة والاستغراب، بل تثير الاشمئزاز، وكشفت عن حقيقة وجوه قبيحة، عكس ما كان يظن بها من خير وتقوى وصلاح، وما يفترض بها من عفة لسان، وحسن قول.
وفي معمعة هذا الصراع البغيض بين هذه التنظيمات، وفي ظل التوجهات المعلنة ضد بعض التنظيمات التي ثبت خطلها وانحرافها، بدت على من يتحلى ببعض سمات هذه التنظيمات أعراض الخوف منها، لأنه من السهل إلحاق أي شخص تعامل أو قرب أو أشاد بأي من زعماء هذه التنظيمات، أو أيّد بعضاً من ممارساتها، أو أعلن باعتبار ما كان مألوفاً في سني تكوينه وتنشئته الأولى عن بعض أفكارها، أو منهجها، أو مارسَ دون قصد أياً من أوجه نشاطها، أو فُسرت مواقفه السابقة التي يمارسها أو كان يمارسها حسب تنشئته المتدينة على أنها من مواقف هذا التنظيم أو ذاك وممارساته القولية والعملية، في هذه الأجواء الضبابية يخشى أن يلحق أحد قسراً بهذه التنظيمات باعتبارها تهمة سهلة لتصفية الحسابات بين المختلفين واستبعادهم من دوائر النفع العام، لأن لهذا الإلحاق القسري انعكاساته الخطيرة جداً على البنية المجتمعية، وعلى الأمن الاجتماعي، هذا نهج من يخطف عينه بيده، نهج من يسعى عن قصد وإصرار إلى تشظّي المجتمع وتقسيمه، من يصنع له عداوات بالجملة، نهج من يدفع إلى صناعة محاضن خفية لمعاداة الوطن والكيد له، ونزع الولاء للمليك والانتماء للوطن من الوجدانات والزج بها إلى أطر خارجية يستحيل رصدها والسيطرة عليها، لا سيما أولئك الذين لا ناقة لهم ولا جمل مع هذه التنظيمات البغيضة، ولا صلة لهم بها سوى ما كان من مكونات التنشئة الأولى.
الحقيقة التي لا مراء فيها مثل الشمس في رابعة النهار، لا تقبل المساومة ولا المزايدة، أن قلوب أبناء المملكة العربية السعودية قاطبة ملتفة حول قادتها، تدين لهم بالولاء، محبة لهم فخورة بهم، وتدين بالانتماء للوطن الغالي، بيت الأسرة الواحدة المملكة العربية السعودية، وبالتالي أرى أنه من الاضطراب الفكري، أن يظلم أيٌ من أبناء المملكة بجريرة فئة ناشزة تغرد خارج السرب الجماعي المتوافق والمتناسق المتآلف المتوحد، ثم إنه من آكد الاضطراب الفكري أن يظن أحدٌ أن المملكة العربية السعودية لقمة سائغة الهضم لأي كائن من كان، هذه البلاد الكريمة أصولها ثابتة، وأركانها متوحدة، إنها مثل النخلة لا يمكن أن تهتز لمجرد طنين بعوضة هنا أو هناك، أو لمجرد تطاير أسراب البعوض من فوق جرائدها.
لقد بدت مؤشرات من القلق والخوف من أخطاء التصنيف ومكائده التي قد يترتب عليها إقصاء واستبعاد، وهذا مما يفضي إلى حالة من التكتل والاحتقان والاضطراب الذي تخلو منه حياتنا الاجتماعية، ويتعارض مع سمات مجتمعنا الذي يستظل تحت سقف من الأمن والأمان في البيت الكبير المملكة العربية السعودية، ورعاة هذا البيت وقادته الذين يتمتعون بكل الحب والولاء.