منذ احتلال العراق، في عام 2003، كتبت مقالات كثيرة عن العراق، ولا أدري كم عددها، ولكن المؤكد أنني تحدثت عن شيئين، أولهما هو أن تسليم أمريكا العراق لإيران على طبق من ذهب لم يكن غلطة غير مدروسة، كما يرى بعض ممتهني التحليل السياسي، وثانيهما هو أن أمريكا لن تضرب إيران، إذ أنه في حكم اللامعقول أن تشن أمريكا حربا عظمى، وتخسر الترليونات، والآلاف من جنودها لتخدم إيران، ويكرر الذين يزعمون أن أمريكا خسرت حربها في العراق مقولات بائتة، خلاصتها أنها تركت عراقا مدمرا، وأنها لم تبنِ ديمقراطية حقيقية، ولم تهتم بإعادة إعمار العراق، ما يوحي بأنهم صدقوا بأن هدف أمريكا من غزوها للعراق كان تدمير أسلحة الدمار الشامل، وإزاحة الدكتاتور، صدام حسين، من أجل نشر الديمقراطية، التي بشرت بها حكومة بوش الابن، وعصابة تشيني- رامسفيلد، ومن ورائهم المحافظون الجدد.
أمريكا دولة مؤسسات، وترسم سياساتها لعقود مقبلة، بناء على مقترحات مراكز البحوث والدراسات المعتبرة، ويستطيع الرئيس القوي أن يحور هذه السياسة، أو تلك، ولكنه لا يستطيع حرف الخط الإستراتيجي العام، والمرسوم سلفا حيال أي قضية، ومن يعتقد أن أوباما خالف سياسة بوش الابن كليا، فهو لا يفهم كيف تدار أمور العم سام، فوق الطاولة، وتحتها، فكل ما في الأمر هو أن بوش الابن قام بالمهمة الرئيسية في العراق، وجاء أوباما، وكانت مهمته وضع مساحيق التجميل عليها، ولكنه لم يحاول حرف مسار المهمة التي بدأها بوش، كما يتوهم البعض، ومن هنا نستطيع فهم حكاية تقاربه مع إيران، وقد اطلعت على كاريكاتير معبر، يوضح هذا الأمر، فبعد أن سحب أوباما قواته من العراق، تم رسم العراق على شكل سيارة مدمرة، يجلس نوري المالكي على مقعد السائق، ويركب معه الرئيس الإيراني في المقعد الأمامي، ويقف أوباما عند باب السائق، وهو يسلم مفاتيح السيارة إلى المالكي، وعلى بعد أمتار من أوباما، يقف المرشد الأعلى، علي خاميني مبتسما، ومباركا، وهذا الكاريكاتير يقول كل الحكاية.
والآن، ساحت مساحيق التجميل، ولم تعد علاقة التعاون الإستراتيجي بين أمريكا، وإيران تجري تحت الطاولة، كما كان الحال منذ سنوات، فقد صرح وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، قبل يومين، وقال علنا، وبلا مواربة، إن أمريكا سوف تتعاون مع إيران ضد جماعات العنف المسلحة، وقبل ذلك كانت أمريكا قد حركت حاملة الطائرات صوب الخليج، وكل هذا لحماية الطائفي، وحليف إيران، أو واليها في العراق، نوري المالكي من الثورة العشائرية السنية، والتي ليست طائفية، ولا داعشية كما تحاول إيران أن تسوق، بل ثورة على الظلم الذي عاناه سنة العراق من حكومة المالكي، والمؤكد هو أن تدخل أمريكا في هذا الصراع، إن حصل، سوف يصعد العمل الثوري، ويعقد الأزمة، ومن يدري، فربما حان الوقت لأمريكا أن تصنع «فوضى خلاقة» حقيقية في العراق، تقود إلى التقسيم، وهو الأمر الذي تتمناه كل الأطراف، وعلى رأسها إسرائيل، وأكراد العراق، والشيعة، وبالتأكيد العم سام، فلننتظر مفاجآت الفترة القادمة !.