«هذه القاعات الواسعة مخصصة لأصحاب الأعمال الصغيرة، وهي مجهزة كما ترون بصالات للاجتماعات واللقاءات الجانبية، مع إتاحة معامل ومختبرات وقاعات المحاضرات والمكتبة وغيرها من الخدمات المساندة التابعة للجامعة،» يشرح لنا البرفسور محمد لاشيمي، نائب رئيس جامعة رايرسون، وعميد كلية الهندسة والعمارة والعلوم، بمدينة تورنتو الكندية. ويضيف يوضحاً:
«الهدف هو أن نوفر لأصحاب الأفكار الإبداعية مكاتب بإيجارات رمزية لا تتعدى مئات الدولارات في الشهر لكل مكتب، تشمل خدمات السنترال والسكرتارية وما إلى ذلك من الخدمات العامة. كما يعطيهم واجهة مشرفة، هي الجامعة، بسمعتها الممتازة في أوساط الأعمال. أضف إلى ذلك أننا نوفر لهم الاستشارات والدورات تدريبية في جميع المجالات التي يحتاجونها، كالنواحي القانونية والإدارية والتسويقية. ولا تقل أهمية عن ذلك قوائم الاتصال والمؤتمرات والمناسبات الجامعية التي تتيح لهم التواصل مع الشركاء والعملاء في بيئة أكاديمية معتبرة وموثوقة.»
البرفسور العربي الكندي ينبه إلى أن الجامعة لا تعطي مساحة لأي مشروع لم يثبت لديها جدواه الاقتصادية. ولذلك تشترط على الراغبين تقديم دراسة مقنعة، ومن المخترعين نماذج لمخترعاتهم تعمل بالفعل. فمصداقية الجامعة على المحك، والشركات التي تتعامل مع هذه المؤسسات الصغيرة تثق أننا قمنا بما يجب للتأكد من صدقية وجدوى مشاريعها وأفكارها.
عندما زار وفدنا الذي يتقدمه المهندس عبدالله بن أحمد بقشان هذه القاعة، كان المكان أشبه بخلية نحل. فشباب الأعمال مشغولون بإعدد التقارير وإجراء التجارب وعمل الاتصالات ومقابلة العملاء في الغرف المخصصة. ولأن الصالة مفتوحة، فالكل يعلم عن عمل بقية زملائه، بل ويتعاونون مع بعضهم البعض بروح الزمالة لا المنافسة. الروح ونفسها وجدناها في موقع آخر، غير ربحي، أطلق عليه «MArS» خصص للهدف نفسه ولكن مع التركيز على الخدمات الطبية والعلوم المتصلة بها بجامعة تورنتو الواقعة بقلب المدينة، حيث توجد أعرق المستشفيات والعيادات وشركات الخدمات الطبية.
ويشرح لنا لبروفيسور التونسي - الكندي رضا بن مراد: «هذا هو حال الشباب في المرحلة الأولى، مرحلة البناء والتأسيس، ولكن عندما تكبر أعمالهم وينتقلون إلى مكاتب خاصة بهم خارج الجامعة، يستقل كل بعمله وموظفيه ووسائل تواصله.
وخلال هاتين الزيارتين قدم لنا بعض الشباب، ومنهم طالب يمني متفوق، هو المهندس فايز باتيس، عروضاً مبهرة لإنجازاتهم ومشاريعهم. من بينهم اختراع للطالب العربي عبارة عن شريحة إلكترونية يمكن الاستفادة منها في استخدامات طبية كثيرة وفي تطوير عمل الكاميرات الرقمية الصغيرة، كالمستخدمة في أجهزة الجوالات.
كما شاهدنا اختراعاً آخر يستخدم في غرفة العمليات بالمستشفيات لتمكين الجراح من السيطرة على الأجهزة المختلفة التي يستخدمها بدون الحاجة إلى مساعدين، وذلك بتحريك يديه أمام شاشات أشبه ما تكون بالشاشات الذكية «Smart TV» الحديثة، فتقوم كاميرات بترجمة الإشارات إلى أوامر تنفذها الأجهزة.
وتعرفنا على مشروع آخر عبارة عن جهاز لوحي شبيه بـ»الآي باد» ولكن بسعر لا يتجاوز المائة دولار كندي، يشمل البرامج التعليمية والخدمات المساندة. والهدف من ذلك توفير وسيلة تعلم شاملة للطلاب الصغار، خصوصاً في المناطق الفقيرة والنائية، فالبرامج تشمل كل المناهج التعليمية التي يحتاجها التلميذ، وتستخدم بديلاً للدفاتر والأقلام في عمل الواجبات المنزلية وأداء الامتحانات.
كما توفر لهذه الأجهزة ألعاباً تعليمية مفيدة ومسلية، تعمل فقط بعد أداء الطالب للواجب المنزلي، ولمدة محددة.
وبنهاية كل شهر يجمع المدرس هذه الأجهزة ويربطها بالإنترنت لرفع وحفظ الواجبات والامتحانات، وإنزال المواد الجديدة والتحديثات.
حاضنات الأعمال ليست ظاهرة جديدة، فالمدن الذكية وبعض الغرف التجارية تنفذها لخدمة شباب الأعمال. وفي المملكة تجربة رائدة، هي تجربة شركة عبداللطيف جميل، التي وفرت حاضنة أعمال في جدة، مع توفير قروض متناهية الصغر لمن يحتاجها. ولكن الجديد هنا هو دور الجامعات. وأهمية هذا الدور في قدرته على توفير خدمات أكاديمية وبحثية وعلمية، ومرافق مهمة كالمختبرات والمعامل، إضافة إلى سمعة الجامعة ووجاهتها وعلاقاتها الواسعة.
هناك الكثير في التجربة الكندية لنتعلمه، وكم أتمنى أن توسع جامعاتنا من دورها ومسئوليتها الاجتماعية لتشمل تقدم الدعم والاستشارة للمبدعين وأصحاب الأفكار الرائدة وشباب وشابات الأعمال. وكلي أمل أن توجه وزارة التعليم العالي، بقيادة وزيرها المنفتح على الأفكار الرائدة، الدكتور خالد العنقري، الجامعات السعودية للاهتمام بهذا الجانب لخدمة شبابنا ومبدعينا ورواد الأعمال.