بعد فتاوى التجييش الطائفي، تحوّل المجتمع العراقي، وبالذات في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، إلى مجتمع عسكري، إذ وجد العديد من العراقيين أنّ فرص العمل قد فُتحت لهم بعد تلك الفتاوى، بعد قرار رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، باعتبار جميع المتطوعين موظفين ضمن (جيش الجهاد الكفائي) الذي أنشأه نوري المالكي كجيش رديف، وبما أنّ هذا الجيش مكوّن من المتطوعين الذين استجابوا لفتاوى المرجعيات الشيعية، فسيكون جيشاً طائفياً خالصاً مقتصراً على الشيعة فقط، رغم الادعاء بأنه مفتوح لكلِّ الطوائف، ويتخوّف الكثير من العراقيين بمن فيهم مثقفون ومفكرون من الشيعة، من أنّ هذا الاندفاع وتحويل المجتمع العراقي إلى مقاتلين طائفيين يتّبعون فكراً متطرّفاً يناصب العداء للمكوّن الطائفي الآخر، لابد أن يولِّد قوة طائفية مضادة، لينقسم العراق إلى قوّتين طائفيتين عسكريتين، ينشغل أفرادهما بممارسة العنف والقتل وإرهاب الطرف الآخر، ويصبح المواطن العراقي الشيعي هدفاً للمقاتل السني، مثلما هو هدف للمقاتل الشيعي، وبهذا يتم عسكرة المجتمع العراقي الذي يكون همه الأول إجادة صناعة القتل، الذي تحوّل بعد قرار رئيس مجلس الوزراء، باعتبارهم موظفين في جيش الجهاد الكفائي، مهنة يستلم عليها راتباً مقابل قتل مواطن عراقي آخر، إذ تضمّن قرار المالكي منح المتطوّع راتباً شهرياً يعادل ثلاثمائة دولار أمريكي مهما يكن الطرف الآخر المستهدف، وهم وإنْ صنِّفوا جميعاً بأنهم من تنظيم داعش، إلاّ أنّ كل سني عراقي سيصبح هدفاً لجيش المالكي الجديد، الذي يتخوّف العراقيون من أن يتحوّل إلى جيش طائفي عقائدي، كنسخة عراقية للنسخة الإيرانية التي تحمل اسم (الحرس الثوري)، والحرس الثوري العراقي، المالكيّ التأسيس والرعاية، سيكون ذراعاً عسكرياً لحزب الدعوة الذي يرأسه نوري المالكي، ولهذا فإنّ مقتدى الصدر، أطلق هو الآخر جيشه الخاص والذي أسماه بـ(سرايا السلام) التي استعرضت يوم الجمعة في مدينة الصدر، وقد ظهرت أسلحة متقدمة وصواريخ ومدافع وقاذفات (آر - بي - جي) وآلاف المقاتلين بأزياء موحّدة، تؤكد أنّ (جيش المهدي) الذي قيل إنه قد حلّ، ليس صحيحاً، فقد أظهر الاستعراض وجود بنية عسكرية تفوق التكوين المعتاد للمليشيات.
وهكذا سيصبح للوسط الشيعي ثلاثة جيوش .. جيش المالكي الرسمي الذي خرج منه الكثير من أهل السنّة والأكراد، والموجودون من هاتين الطائفتين ليست لهم صلاحيات ولا اعتبار، مثلهم مثل وزير الدفاع بالنيابة سعدون الدليمي، الذي تبرّأ منه أهل الدليم، وجيش رديف سيكون نواة للحرس الثوري العراقي، وجيش ثالث تابع لمقتدى الصدر الذي يحمل مسمّى سرايا السلام، يقابله لدى الطرف السني مليشيات والتي تصدّرتها (داعش) وجيش الإسلام والنقشبندية، والمجلس العسكري الذي يضم خليطاً من البعثيين وأعضاء الجيش العراقي السابق.
فيما يحتفظ الأكراد بجيش منظم من مقاتلي الأكراد (الشبمركة) وهو جيش نظامي، أحسن تنظيماً من الجيش العراقي الذي أصبح يسمّى بـ(جيش المالكي، وهكذا تعسكر المجتمع العراقي وانتشرت جيوشه المذهبية والعرقية، وانشغل الجميع في قتل بعضهم البعض، وبهذا سينحدر البلد إلى الأسوأ ويتوقف النمو والبناء بعد شيوع ثقافة القتل والكراهية.