المخالفات والأخطاء كثيرة في هذا الباب, وهي على درجات قد تصل إلى حد البدعة, وقد تكون خلاف الأولى, فهي متفاوتة في حكمها.
فمن المخالفات:
1- القيام إلى ثالثة في صلاة الليل ثم الاستمرار إلى أن يأتي برابعة, فيكون قد صلى أربع ركعات متواليات, وهذا الفعل نص كثير من أهل العمل على أنه لا يجوز قال الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله-: (لا يجوز أن يصلي أربعاً جميعاً بل السنة والواجب أن يصلي اثنتين اثنتين؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «صلاة الليل مثنى مثنى» وهذا خبر معناه الأمر).
2- مواصلة الإمام قراءته للقرآن استكمالاً لقراءته في صلاة الليل من تراويح وقيام, وهذه المواصلة لها حالتان:
أ- مواصلته في الصلوات كأن يقرأ في صلاة العشاء, وصلاة الفجر استكمالاً لما تمَّ الوقف عنده في قراءة صلاة الليل استعجالاً لختم القرآن, فهذا ليس من عمل السلف, قال معالي الشيخ العلامة صالح الفوزان -غفر الله له-: (هذا شيء لم يفعله السلف, ولا هو معروف، ونحن لا نحدث شيئاً من عندنا)، وقال الشيخ العلامة محمد بن عثيمين
-رحمه الله- عن هذا العمل: (اجتهاد في غير محله).
وإلحاقه بالتأليف الذي ذكره الفقهاء محل نظر, فليس في هذا شيء يروى, كما قاله الإمام أحمد -رحمه الله- إلا ما رُوي عن عثمان -رضي الله عنه- أنه فعل ذلك في المفصل وحده, ولما كانت المسألة كذلك من الاشتباه, كان باب الاحتياط قائماً, لا يلجه إلا أهل الورع. وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- عن مثل هذا فأجاب: (بأن الأولى ترك ذلك؛ لأنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين رضي الله عنهم، وكل الخير في اتباع سيرته عليه الصلاة والسلام, وسيرة خلفائه رضي الله عنهم).
ب- مواصلته القراءة خارج الصلاة فتجده ينتهي من سورة في صلاة التراويح, وإذا جاء من الغد, فإذا هو قد تجاوز ما وقف عليه ليلة أمس، فإذا سئل قال: قد قرأته خارج الصلاة, فهذا العمل سئل عنه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله-: ونصه السؤال: (بعض الأئمة لم يتيسر لهم ختم القرآن في قيام رمضان فلجأ بعضهم إلى القراءة خارج الصلاة حتى يستطيع أن يختم القرآن ليلة تسع وعشرين، فهل لذلك أصل في الشرع المطهر؟ فأجاب بقوله: لا أعلم لهذا أصلا، والسنة للإمام أن يسمع المأمومين في قيام رمضان القرآن كله، إذا تيسر له ذلك من غير مشقة عليهم، فإن لم يتيسر ذلك فلا حرج وإن لم يختمه، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»).
وعرض مثل هذا السؤال على اللجنة الدائمة فأجابت: (لا نعرف هذا من السنة, ولا من عمل صالح سلف الأمة, والخير كل الخير في الاتباع، والعبادات مبنية على التوقيف, فلا يدخلها الاجتهاد ولا القياس).
3- حمل المأموم المصحف في صلاة التراويح, ولم يكن ثمة حاجة كالفتح على الإمام إذا ارتج عليه, فهذا المأموم ضيع بعض السنن المستحبة, وقام بعمل ليس بمشروع, قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله-: (لا أعلم لهذا أصلا، والأظهر أن يخشع ويطمئن, ولا يأخذ مصحفاً، بل يضع يمينه على شماله كما هي السنة، يضع يده اليمنى على كفه اليسرى الرسغ والساعد ويضعهما على صدره، هذا هو الأرجح والأفضل، وأخذ المصحف يشغله عن هذه السنن ثم قد يشغل قلبه وبصره في مراجعة الصفحات, والآيات, وعن سماع الإمام، فالذي أرى أن ترك ذلك هو السنة، وأن يستمع وينصت ولا يستعمل المصحف، فإن كان عنده علم فتح على إمامه وإلا فتح غيره من الناس، ثم لو قدر أن الإمام غلط, ولم يفتح عليه ما ضر ذلك في غير الفاتحة، إنما يضر في الفاتحة خاصة؛ لأن الفاتحة ركن لا بد منها، أما لو ترك بعض الآيات من غير الفاتحة ما ضره ذلك إذا لم يكن وراءه من ينبهه, ولو كان واحد يحمل المصحف على الإمام عند الحاجة، فلعل هذا لا بأس به، أما أن كل واحد يأخذ مصحفاً فهذا خلاف السنة).
4- إطفاء أنوار المسجد طلباً للخشوع, أو جعل نور الإضاءة خافتاً لأجل ذلك, فهذا محل نظر؛ لأنه لم يرد عن السلف أنهم يطفئون سُرُجهم في المساجد طلباً للخشوع, وقد تلحق بمسألة إغماض العين في الصلاة طلباً للخشوع, وقد جاء في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن رسولنا صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام, فنظر إلى أعلامها نظرة, فلما انصرف, قال: «اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم, وأتوني بأنبجانية, فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي», ولم يرشد -صلى الله عليه وسلم- إلى إغماض العينين في الصلاة لمن ألهاه شيء تطلباً للخشوع.
وقد سمعتُ شيخنا الإمام عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- سئل عن إمام يطفأ الأنوار طلباً للخشوع فقال: (ليس لهذا أصل, ويُبيَّن له أنَّ هذا غلط).
5- إلقاء الموعظة بين الوتر والتراويح, قال الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله-: (أما الموعظة فلا؛ لأن هذا ليس من هدي السلف، لكن يعظهم إذا دعت الحاجة أو شاء بعد التراويح، وإذا قصد بهذا التعبد فهو بدعة, وعلامة قصد التعبد أن يداوم عليها كل ليلة, ثم نقول: لماذا يا أخي تعظ الناس؟ قد يكون لبعض الناس شغل يحب أن ينتهي من التراويح, وينصرف ليدرك قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة), وإذا كنت أنت تحب الموعظة, ويحبها أيضا نصف الناس بل يحبها ثلاثة أرباع الناس, فلا تسجن الربع الأخير من أجل محبة ثلاثة أرباع, أليس الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف فإن من ورائه الضعيف والمريض وذا الحاجة) أو كما قال عليه الصلاة والسلام, يعني: لا تقس الناس بنفسك أو بنفس الآخرين الذين يحبون الكلام والموعظة, قس الناس بما يريحهم, صل بهم التراويح, وإذا انتهيت من ذلك, وانصرفت من صلاتك, وانصرف الناس, فقل ما شئت من القول).
6- رفع الصوت بالبكاء, بل وتكلف ذلك, قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- منبهاً على ذلك: (لقد نصحت كثيراً ممن اتصل بي بالحذر من هذا الشيء، وأنه لا ينبغي؛ لأن هذا يؤذي الناس, ويشق عليهم, ويشوش على المصلين, وعلى القارئ، فالذي ينبغي للمؤمن أن يحرص على ألا يسمع صوته بالبكاء، وليحذر من الرياء، فإن الشيطان قد يجره إلى الرياء، فينبغي له ألا يؤذي أحداً بصوته, ولا يشوش عليهم).
7- تتبع المساجد؛ لحسن قراءة الإمام, فهذا كرهه الإمام أحمد -رحمه الله-، فقد قال محمد بن بحر: رأيت أبا عبدالله في شهر رمضان, وقد جاء فضل بن زياد القطان, فصلى بأبي عبدالله التراويح -وكان حسن القراءة- فاجتمع المشايخ, وبعض الجيران حتى امتلأ المسجد, فخرج أبو عبدالله فصعد درجة المسجد, فنظر إلى الجمع, فقال: (ما هذا!! تدعون مساجدكم, وتجيئون إلى غيرها!!), فصلى بهم ليالي, ثم صرفه كراهية لما فيه -يعني: من إخلاء المساجد- وعلى جار المسجد أن يصلي في مسجده.
أخرج الطبراني عن ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعاً: (ليصل أحدكم في مسجده ولا يتبع المساجد).
فإن قيل: إن معاذاً -رضي الله عنه- كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم, فهو قد تتبع المساجد.
فيقال: هناك فرق فمعاذ -رضي الله عنه- تتبع الصلاة خلف إمام المتقين, وفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تضاعف فيه الصلاة بخير من ألف صلاة بخلاف المساجد الباقية, التي ليس لها هذا الفضل, الذي حث الشرع على اغتنامه, ورغَّب فيه, فلو أن رجلاً في أقصى المدينة النبوية, تخطى المساجد إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا خير له, ولا يقال: لا تتجاوز مسجدك.
ولو قيل: بتتبع الصلاة خلف أهل التقوى استدلالاً بفعل معاذ -رضي الله عنه- لكان له وجه, ولكن الحال هنا مختلف جداً, فالتتبع لأجل الصوت فقط, ولو كان هذا القارئ ضعيفاً في ديانته, ففرق بين الحالين.
ومع ذلك فلم ينقل عن معاذ -رضي الله عنه-، ولا عن غيره من الصحابة -رضي الله عنهم- تتبع الصلاة خلف من صوته حسن من الصحابة كأبي موسى الأشعري, وغيره، رضي الله عنهم.
وقال المناوي -رحمه الله- في تعليقه على الحديث: (ليصل الرجل في المسجد الذي يليه) أي بقرب مسكنه (ولا يتتبع المساجد) أي لا يصلي في هذا مرة، وفي هذا مرة، على وجه التنقل فيها فإنها خلاف الأولى).
أما لو كان هناك ما يدعو لتجاوز المسجد من كون الإمام لا يحسن القراءة, أو يعجل بالمأمومين عجلة ظاهرة, أو نحو ذلك، فالتجاوز إلى إمام يتقن الصلاة أولى.
8- ترك سنة العشاء طمعاً في الانتهاء من صلاة الترويح بأسرع وقت, أو جعل راتبة العشاء داخلة في التراويح, قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- فيمن ينوي راتبة العشاء مع صلاة التراويح: (السنة أن تصلى قبل صلاة التراويح؛ لأنها سنة مستقلة, والتراويح سنة مستقلة).
9- تفويت صلاة العشاء في أول وقتها؛ لإدراك التراويح في مسجد آخر.
10- إقامة صلاة التراويح قبل إعلان دخول الشهر, سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- عن بعض الأئمة يشرع في صلاة التراويح قبل إعلان رؤية الهلال؟ فقال: (لا ينبغي هذا؛ لأن التراويح إنما تفعل في رمضان, فلا ينبغي أن يصلي أحد حتى تعلن الحكومة رؤية الهلال).
وأذكر مرة في إحدى المدن أن قاضي بلد صلى بالناس التراويح؛ لأنه رفع إلى مجلس القضاء برؤية الهلال!! ثم تبين أن المجلس لم يثبت له دخول شهر رمضان.
11- طلب الإمام مالاً عن صلاته التراويح بالناس, سئل الإمام أحمد -رحمه الله- عن إمام قال لقوم: أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهماً؟ قال: أسأل الله العافية, من يصلي خلف هذا!!
12- ومن المخالفات: إدخال الكاميرات في المساجد؛ لتصوير صلاة التراويح والقيام, فيصور الإمامُ صلاته, ودعاءه, وبكاءه, وجميع عبادته, وكثرة الناس خلفه, وهذا العمل نذير شؤم, وفيه مفاسد كثيرة:
منها: ارتكاب لأمر مشتبه, عدّه جمع من العلماء من الكبائر.
ومنها: إشغال المصلين.
ومنها: إضعاف لإقبال القلب على الله.
ومنها: تطلَّبُ ثناء الناس.
ومنها: تصيَّد للشهرة.
ومنها: فتح لباب الرياء, وهو باب أخفى من دبيب النمل, فالحذر الحذر.
ومنها: تصوير من لا يرضى بالتصوير, بل وجعله مرتكباً لما يراه حراماً عليه.
وما فيها من منفعة -إن وجدت- لا تقارن بهذه المفاسد, والمؤمن في هذا الشهر, وفي غيره, يطلب صلاح قلبه, ويقبل على ربه, ويحاول إخفاء عمله, وأنَّى يتحقق هذا وآلات التصوير تتقلب بين يديه, تُسجل حركاته, وسكناته, وقد يكون هذا التصوير باباً لفساد الأعمال, وتضييع للجهد, فعلى من يفعل ذلك من الأئمة تقوى الله, والحرص على رضاه، و(ما قلَّ من الدنيا كان أقل للحساب يوم القيامة), وقد نبَّه العلامة الشنقيطي -رحمه الله- في تفسيره على هذه المسألة.
13- من الأخطاء النداء لصلاة القيام والأذان لها, سئل الإمام أحمد -رحمه الله- عن قوم يعقبون في رمضان فيقول المؤذن في الوقت الذي يعقبون فيه: «حي على الصلاة حي على الفلاح»؟ قال: أخشى أن يكون هذا بدعة, وكرهه.
أسأل الله أن يتقبل من الجميع طاعتهم, وأن يغفر لهم زللهم.