لم يكن تعيين الأمير عبدالله بن مساعد رئيساً لرعاية الشباب بحر الأسبوع الماضي عقب إعفاء الأمير نواف بن فيصل بناء على طلب سموه، لم يكن ذلكم التعيين مستغرباً على الوسط الرياضي مطلقاً، بل جاء وفق معطيات تقول إن عبدالله بن مساعد خير خلف لخير سلف، فالمجتمع الشبابي والرياضي تحديداً، يُدرك أن ابن مساعد شخصية قيادية رياضية ناجحة بكل المقاييس، حاصل على مؤهل عال بالهندسة، وقد ترأس أحد أكبر وأهم الأندية؛ ومهتم بالاستثمار الرياضي وعضو لجنة التطوير ورئيس لجنة الخصخصة.. وهو بذاك كله دون أدنى شك، يجعل من الوسط الرياضي قاطبة متفائلاً بمقدمه رئيساً للرئاسة العامة لرعاية الشباب، لكن ما يجب أن يعرفه سمو الأمير وهو في أول طريق بل معترك (حمل الأمانة لرعاية شباب وطنه)، يعرف ما الدوافع التي حملت نواف الشباب على طلب الإعفاء ذلك أن شاباً طموحاً ناجحاً مثل نواف بن فيصل ما كان ليُقدم على هكذا خطوة ما لم تكن لها مسبباتها القوية، بل والقوية جداً.. لعل في قراءة شيء من جوانبها وأبعادها ما يحمل الرئيس الجديد على فهم التحديات التي تواجهه، وبالتالي تلافي قدر كبير مما يمكن تلافيه من تلك المسببات حتى لا نُصدم جميعا يوماً ما في ذات الآلية التي أقدم من خلالها على طلب الإعفاء.
عرفت نواف بن فيصل شاباً طموحاً عالي الدقة في أمانة العمل والحرص على النجاح، وهو رجلٌ قانون حاصل على درجة البكالوريوس ودورات مكثفة في التخصص واللغة الإنجليزية في الولايات المتحدة الأمريكية.. لكن معرفتي تلك كانت تعوقها لقاءً مباشراً صادفت فترة ابتعاثي لدرجة الدكتوراه التي فاقت الثلاثة أعوام هي في الواقع العملي فترة عمل نواف بن فيصل رئيسا لرعاية الشباب من 2011 وحتى يونيو 2014م، وبالتالي كانت فترة تواجدي خارج المملكة مبتعثاً هي فترة عمل سمو الأمير نواف بالرئاسة، إلا أن الرصد الدقيق لكل شاردة وواردة للعمل الجبار الذي كان يقوم به سموه لم يحُل بين معرفته ومتابعته وبالتالي نقده وتقديم الرؤى عبر طرح (بصريح العبارة) إبان سنين ثلاث كنت على اتصال دائم مع سموه عرفت خلالها الكثير الكثير من معوقات العمل التي لم يبُح بها (نواف الشباب) لوسائل الإعلام بالكثير منها.. بل ظل كتوما لأمور (معيقة) لأي قاصد للنجاح في أي موقع يعمل به.
اليوم أتحدث (بصريح العبارة) وهو النهج الذي عاهدت الله عليه حتى التصقت صفة صراحة العبارة بقلم (العبدالله) منذ أكثر من خمسة عشر عاما كتبت من خلالها، صراحة لا أخفي أو أذيع معها سرا إذا ما قلت إنها (أرهقت) صاحبها ولكنها قطعا لم تضنِ قلمه في البوح بصريح القول مهما كلف الأمر، فأقول بصريح العبارة.. أرهقت البيروقراطية كاهل الشاب (نواف).. بل إن تركة قد تحملها سموه مثقلة بالعمل (الروتيني) القاتل كانت السبب الأول والرئيس في الوصول إلى نقطة طلب الإعفاء.. فقد ذكر نواف بن فيصل علناً تحديات جمة يواجهها لم يستطع تجاوز عقبتها.. وأخرى احتواها قلبه الكبير ولم يصرح بها في الإعلام على الإطلاق.. وكأنما وجد من يلقي بذاك الجهد في الماء.. ثم يقول إياك.. إياك أن تبتل بالماء.
فقط من باب التذكير بما عُلم، أقول؛ لكم أن تتخيلوا أن ميزانية الرئاسة العامة لرعاية الشباب ظلت على حالها (جامدة) لأكثر من 30 عاما وكأن رعاية الشباب يظل قدرها أن تبقى على وتيرة (متجمدة) واحدة من الصرف المالي ويطلب منها التطوير والحركة ورعاية الحِراك الشبابي بذات المصروفات قبل ثلاثين عاماً.
الأمر الذي أضرب لكم معه مثالين لا ثالث لهما بين الفجوة فيما هو مطلوب من رعاية الشباب وما هو متاح لها من الاعتماد المالي.. فدولة مجاورة صغيرة (جغرافياً وديمغرافياً) كبيرة في نفوسنا مثل (البحرين) يُعتمد للجنة الأولمبية فيها أكثر من 54 مليون ريال بينما دولة بحجم قارة كالمملكة العربية السعودية يعتمد رسميا للجنتها الأولمبية أقل من ربع ذلك المبلغ الذي تنفقه مملكة البحرين على لجنتها الأولمبية فقط.
مثال آخر؛ اتحاد كرة مُشرف، يصل لنهائيات كأس العالم غير مرة ويبيض الوجه دوماً، وجُل ما هو معتمد له (مليون ونيف) من الريالات.. إنه اتحاد
(كرة اليد).. ولن أقارنه بغيره في محيطنا الخليجي لأن المقارنة هنا ستقودنا حتما إلى (فاجعة) وليس فقط
(إحباط) يُعرف أساريره بمجرد طلب التعاقد مع أجهزة فنية ربما لا يكفي ما هو معتمد (كراتب) لمدرب كرة يد محترف لأشهر لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.
ذلكم عن الدعم المادي الذي (كُبّل) من خلاله الرئيس الطموح الشاب، وللقياس باب واسع على جُل الأنشطة الشبابية التي كانت وما زالت تعاني الأمرين من جمود لا يعرف سببه.. وكلنا يذكر كيف (حارب) نواف بكل ما تحمله الكلمة من معنى في هذا الجانب.. حتى حصل على مرسوم ملكي برفع ميزانية الرئاسة 100 في المائة، ولكنه حتى حينه لم يرَ النور عملياً.
أمور عدة (كبّلت) طموح نواف في أداء عمله لعل منها المادي (المحسوس) الذي ذكرت جزءا يسير منه.. وأخرى لوجستية متمثلة في شقين رئيسين أحدهم داخل قطاع (الرئاسة) التي يمضي العمل دخل أروقتها طبقا للروتين مثلها مثل أي دائرة حكومية، سواء من تدخل ضمن تصنيف (رئاسة) أو مصلحة أو غيرهما.
في الوقت الذي لا يرتبط فيه قطاع الرياضة والشباب بالعمل الروتيني البحت ليس في الدول المتقدمة الأجنبية بل ولا حتى في محيط الدول العربية التي لا يمكن مقارنتها اقتصادياً ورياضياً وتعداد شبابي بالمملكة العربية السعودية.. الأمر الذي يحول على العمل بدينامكية يحتاج إليها قطاع الشباب في كل أنحاء العالم لا يعقها روتين وظيفي ولا آخر بيروقراطي ينشد حركية من جهة واجهتها عالمية وحقيقة عملها حكومية مقيدة.
أما الجزء الآخر للدعم اللوجستي الذي كان ينبغي له أن يكون، ولكنه بكل أسف اتجه اتجاه (مدمر) لأي قاصد نجاح دون رقيب أو حسيب من الجهات المسئولة.. إنه الجانب الإعلامي الذي بدلا من أن يكون أداة عون لما يواجه الشباب ورعايته وطموحه.. أصر على أن يكون (فرعون) وفق أهواء مسيريه.. ولا أخال أحدا في الوسط الإعلامي الرياضي يعي (شرف المهنة) إلا ويعرف كم من الضغوط كان يواجهها دون وجه حق.. نواف بن فيصل في ذاته قبل عمله.. أمام (نهم) فرد عضلات عند من فقدوا شرف المهنة.
ولأن الصورة القبيحة لا تعمم، إلا أنها تطغى دون أدنى شك، فقد كان من الإعلام المنصف لعمل الرئاسة وجهدها الوقع المؤثر لكن بكل تأكيد كان (الصوت الأعلى) لمحاربين آثروا الضجيج الإعلامي (الاهلامي) على النقد البناء الهادف، فكان غير مستغرب أن تجد مثلا صحيفة (كذب) تناصر (طبال) يعتمد الأكشنة أو آخر تجاوز (المكياج) سحنة طلته الغبية ليصل حد (الحربائية) التي يستقبل معها الرئيس العام بوجه كاذب على الملأ ثم ما يلبث أن يُسخر جُل جهده لتضخيم الصغيرة وجعلها ذنبا كبيرا لا يغتفر.. وهكذا هلمّ جرا.. كان الإعلام مهيجا بكل قبح لأي حادثة حتى تطغى وتغدو حديث المجالس كذبا وزورا.
ولأن اللبيب بالإشارة يفهم.. فلا أخال إعلاميا (مهنيا) يقرأ ما أسطره إلا ويعرف المقصود من إعلاميي (البنك نوت) وهنا لا يفوتني الإشادة بمهنية البرامج المهنية التي لم يتوانيا أبدا عن النقد الهادف والقوي ولكن البعيد كل البعد عن إسفاف وتهريج الطبال وأبو مكياج وصحيفة (كذب).
صحيح أن الأمير الواعي عبدالله بن مساعد لن تثنيه فطنته عن تتبع وإصلاح كل ما من شأنه العمل بمهنية عالية و(ديناميكية) منشودة.. إلا أن الحذر من كل ما تضمنه قول (بصريح العبارة) سيمضي به حتما للوصول إلى الاستفادة من تجارب الماضي.