رسائل الياسمين إلى جميلةِ عقلٍ وروح (3)

« لكِ اللهُ التي في أعيني شمسي وعليائي

وإنْ أدنُ

فغاياتي

جمالٌ من حِراك الضوء.

وماءٌ من رحيق النوء.

وصبحٌ ما لهُ أولْ..

كصبحكِ يا صباحَ الخيرِ

يا أمي

ويا بنتي

ويا كلماتيَ الأولى البدائية..»*

إذا ما الذي قاد، أو ساعد على هذه الانهيارات الظاهرة في البناء، أليست الانهيارات في القاعدة والأسس، ألم تُغفل هذه الأوطان التعليم الموجب والإعلام الهادف الصادق، ألم تتهاون في تثبيت الهوية واللغة؟

هنا مكمنُ الأسئلةُ والإجابات يا سيدتي..

فنحنُ نعلم أنّ هنالك تعليم ومتعلمون، وهنالك إعلام وفضاء إعلامي، ولكن هل هو تعليم موجب، أو هو فقيرٌ مجدب سالب تتخرج منه أعداد هائلة من الجنسين لا تعرف في سوادها حتى كيف تكتب اسمها، وهي في معظمها غير منتجةٍ وغير مبدعةٍ في الغالب، وتتخرج في غير ما تتقن وتحب!! وحتى تلك الناجحة المبدعة فإنها لا تملك ثقافة عامةً خارج تخصصها. ثم نأتي إلى الشق الأهم الذي أصبح أحد أهم أسلحة الحروب، بل أصبح حرباً بذاته، فهل الإعلام لدينا إعلامٌ يساهم في البناء ونمو الثقافة والمعرفة والتحصين؟ أم هو إعلامُ تعميةٍ ذو نظرةٍ قصيرة قاصرة، يغلب عليه الموظفون الروتينيون لا المبدعون الموهوبون؟!

ثم من ناحية أخرى، ألم تغفل هذه الأوطان في معظمها دور المرأة الفاعل الموجب؟! وأنا أراهم يخطئون عندما يقولون إن المرأة نصف المجتمع، فالمرأة هي المجتمع وأساسه لو يعلمون. ووجودها جاهلة مهمشة ضعيفة هو ما أدى إلى مجتمعات هشة ضعيفة، لأنهم جعلوها في القاع، فأصبحوا هم في القاع.

وأنتِ لو تأملتِ لوجدتِ أنّ اللهَ سبحانه قد قدّم النساء، ومريم العذراء، وخديجة وهي أول من أسلم من المسلمين، رضي الله عنهما مثالان عاليان على قيمتهنّ، والدور المهم الذي أنيط بهنّ، كما في أمثلة أخرى كثيرة لا حصر لها في تاريخ البشرية والرسالات، وتاريخنا بشكل خاص. والله محبٌّ جميلٌ لخلقه، وقد رفع من قدرهنّ، وخاطبهنّ، وفي القرآن سورة باسمهنّ، وكذلك فعل رسوله العربي الأمين صلوات الله وسلامه عليه وعلى صحبه أجمعين، وجاء إنسان هذا اليوم ابن الحضارة الزائفة، فأذلّهنّ وكمّم أفواههنّ وحطّ من قدرهنّ، ونحن نعلم أنه لن تستقيم لنا حضارة دونهنّ، ولو فكرنا في واقعنا مليّا، ورفعنا من قدر النساء لرفعنَ رؤوسنا. والله يسمي الزوجة صاحبةً في أكثر من موضعَ في القرآن الكريم: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) في سورة عبس، وفي المعارج ( يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ( 11 ) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ( 12 ) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ( 13 )}.

وهو سبحانه وتعالى حين ينفي أن يكون له زوجة، يسميها كذلك صاحبة: ( بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم) ( 101 ) الأنعام. ونجد ذلك أيضاً في وعظ لقمان لابنه، والحث على بر الوالدين: ( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) لقمان 15، أي الأب والأم، والجنة تحت أقدام الأمهات، ولم يرتق إنسان اليوم في العالم الحديث بشتى تياراته إلى ما يقترب من ذلك.

ونحن نعرف منزلة الصاحب، ومن هو خيرٌ من صاحبِ خيرِ الأنامِ أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (40) التوبة.

فماذا يسمونها اليومَ يا سيدتي، هل سمعتِهم ينادونها بصاحبة، وهل يعاملونها كصاحبة وشريكةِ حياةٍ وبناء؟!

لن أضيف شيئاً بعد سؤالي، وفيه ما فيه من الألم على الحال التي وصلنا إليها في أوطاننا، ففيما ذكرت تكمن بعض أسرار تخلفنا الصغيرة، بل الكبيرة حقاً، ومن هنا فقط يا سيدتي يمكننا فهم الصورة الكاملة، أي من التفاصيل الصغيرة والبدايات لا من النهايات كما يفعلون.

سأتوقف عند هذا فقد تعبت، وسأختم هذه الرسالة بما أردده لك كل حين ولا أمل:

أيتها الجميلة في البلاد، كلّ سهم أرسلتْه يدٌ خفيةٌ يقف عند حدودكِ وينحني،لأنك بصفاء كامنٍ فيك،وبياض يعلوك،عطّلتِ الضغينة والسواد!!

وأنشد لك في الوداع كما تحبين وتعلمين:

ما أجملكِ وما أجملَ عينيكِ، وما أجملني بين الجفنينِ أصلّي: بسمِ اللهِ عليكْ.

بسم الله عليك.

***

* للشاعر صاحب المقال، من قصيدة صباح الخير، ديوان جنان حنايا.