كشف لـ«الجزيرة» عبدالله السحيباني الأمين العام للجان الفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية في مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما»، عن وجود زيادة مطردة سنوياً في أعداد وقيمة القضايا والمنازعات التأمينية التي يتم انهاؤها بين أطرافها بالتراضي خلال السنوات الثلاث الماضية مسجلة نحو 1.959 قضية، حيث سجل عام 2011 عدد 501 قضية، 691 قضية في 2012، بينما تصاعد العدد ليسجل 767 قضية في نهاية 2013.
وأبان أنه يتم إنهاء القضايا والمنازعات أما عن طريق الحل الودي بين الخصوم والذي يتم خلال المرحلة التالية لدراسة الدعاوى وإبداء الآراء الفنية والنظامية عن طريق ما يعرف بالوساطة Mediation التي تنتهجها الأمانة العامة للجان أو عن طريق القرارات التي تصدرها اللجان الابتدائية الثلاثة بعد النظر في الدعاوى المعروضة عليها، موضحاً في هذا الصدد أن العام الماضي 2013 شهد أكبر عدد من القرارات الصادرة عن اللجان، حيث بلغ عدد القرارات الصادرة خلال هذا العام عدد 789 قراراً، مقارنة بعدد 732 قرار صدرت عن اللجان الابتدائية الثلاثة خلال عام 2012، وعدد 635 قراراً صدرت عام 2011، بينما بلغ إجمالي عدد القرارات الصادرة عن اللجان خلال السنوات الثلاثة الماضية عدد 2.491 قراراً.
أما فيما يتعلق بالمخالفات التأمينية، لفت السحيباني إلى أن المؤسسة ترصد كافة مخالفات أحكام نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني ولائحته التنفيذية واللوائح التنظيمية والتعليمات الرقابية والإشرافية، وتتعامل معها على نحو فوري وفقاً للتدابير والإجراءات الرقابية الواردة بالنظام واللائحة التنفيذية، حيث تسفر هذه التدابير والمعالجات المستمرة عن تصحيح وتلافي المخالفات التي تنسب للشركات وأصحاب المهن التأمينية الحرة.وعن ما إذا كان اختلاف صيغ وثائق التأمين بين الشركات سبباً رئيساً في حصول المنازعات التأمينية، قال أمين عام لجان الفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية في «ساما» إنه على الرغم من أن وضوح وعدم تعارض شروط واستثناءات وثائق التأمين يعد من العوامل الهامة واللازمة لدراسة القضايا والمنازعات التأمينية، حيث يمثل عدم وضوح تلك الشروط أو الاستثناءات إحدى الصعوبات التي تواجه المتخصصين بالفصل في القضايا والمنازعات، إلا أن الاختلاف في صيغ الوثائق ليس هو السبب الرئيسي في حصول المنازعات التأمينية، فمن الطبيعي أن تتباين صيغ وشروط وثائق التأمين تبعاً لاختلاف التغطيات التأمينية الواردة بها. وتابع: «إنما قد يكون غياب الوعي التأميني بين أطراف العلاقة التأمينية يُعد من الأسباب الرئيسية في نشوء العديد من المنازعات، ولا أعفي شركات التأمين من هذا القصور في الوعي التأميني والتي قد يرى البعض أن هذا الوعي مفترض لديها بحكم طبيعة عملها، وأرى أن الممارسة الفنية الصحيحة للعملية التأمينية تقتضى تفعيل أحد أهم المبادئ التي يقوم عليها التأمين وهو مبدأ منتهى حسن النية بين الطرفين الذي يترتب على العمل به الحد من نسبة حصول المنازعات التأمينية»، مشيراً في هذا الصدد إلى أن كافة الوثائق الصادرة عن شركات التأمين تخضع لرقابة وإشراف «ساما»، والتي تضع المعايير اللازمة لإصدار الوثائق على النحو الذي يضمن انضباط شروط واستثناءات كافة الوثائق التأمينية المصرح بها في المملكة.
3 لجان شبه قضائية مستقلة
وفي نظرة تعريفية حول آلية تشكيل اللجان الابتدائية واللجنة الاستئنافية وإنشاء الأمانة العامة للجان، بين السحيباني أن الفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية يتم حالياً من خلال ثلاث لجان شبه قضائية مستقلة في كلا من الرياض وجدة والدمام، حيث يتم تشكيل اللجان الابتدائية بموجب قرار من مجلس الوزراء من عدد لا يقل عن ثلاثة أعضاء متفرغين -إن أمكن- من ذوي الاختصاص، يكون أحدهم على الأقل مستشاراً نظامياً، وتكون مدة العضوية ثلاث سنوات قابلة للتجديد وذلك وفقاً لحكم المادة 20 من نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني الصادر بالمرسوم الملكي بتاريخ 02-06-1424هـ المعدل بالمرسوم الملكي بتاريخ 27-5-1434هـ لتتولى مهام الفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية المبينة تفصيلاً بالنظام، أما اللجنة الاستئنافية فتشكل من عدد لا يقل عن ثلاثة مستشارين متفرغين -إن أمكن- من ذوي الاختصاص والخبرة في فقه المعاملات والتأمين، ويصدر أمر ملكي بتسمية رئيس اللجنة الاستئنافية وأعضائها وتكون مدة العضوية ثلاث سنوات قابلة للتجديد، وذلك وفقاً لما ورد بالمادة 22 من ذات النظام. وعن الأمانة العامة للجان فقد تم إنشاؤها عام 1427هـ بموجب قرار وزير المالية، حيث تم وضع الهيكل التنظيمي والإداري لها، وكذلك آليات وضوابط وقواعد العمل اللازمة للتعامل مع القضايا التأمينية بما يكفل توفير الضمانات النظامية والإجرائية لأطرافها، ويتكون الهيكل التنظيمي للأمانة العامة للجان من الأمين العام وعدد كاف من الإدارات التي تم توزيع العمل بينها وفقاً لمهام وظيفية محددة لكل إدارة، ويشغل الوظائف الفنية والقانونية والإدارية بها فريق عمل تتوافر فيه الخبرة والتخصص اللازمين لتنفيذ المهام الموكلة إليه.
الاستعانة بتقارير الخبراء والاستشاريين
وعن أداء عمل لجان الفصل في المنازعات، قال السحيباني إن الممارسة الفنية المهنية للعملية التأمينية ومن ثم الفصل في المنازعات التي تنشأ عنها تقتضي الاستعانة بتقارير الجهات الاستشارية المتخصصة في أوجه نشاط التأمين وإعادة التأمين، ونظراً لأهمية الدور الذي تؤديه تلك الجهات سواء بالمرحلة السابقة على إصدار وثائق التأمين والتي يتم خلالها التعرف على طبيعة الأخطار المطلوب التأمين عليها وتحديد قيمتها Risk Assessment، أو بعد الإصدار وأثناء سريان التغطية التأمينية Inspection process أو خلال مرحلة تقدير الخسائر في حال تحقق الخطر المؤمن منه Loss Assessment، لذا فقد عني المنظم بوضع الشروط والمعايير التي يتعين توافرها فيمن يرخص له بمزاولة هذه المهن الحرة المرتبطة بالنشاط التأميني، حيث ورد النص بنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني ولائحته التنفيذية واللوائح التنظيمية الصادرة عن مؤسسة النقد على ضرورة توافر مجموعة من الشروط والضوابط الفنية والمهنية والمالية فيمن يرخص لهم نظاماً بمزاولة هذه الأعمال التخصصية.
ومن بين أصحاب المهن الحرة المرتبطة بأنشطة التأمين خبراء المعاينة ومقدرو الخسائر Loss Adjusters، المنوط بهم إجراء المعاينات وتقدير الخسائر المترتبة على الاخطار مسترشدين بما لديهم من خبرات ومعلومات فنية تتعلق بالخسائر والأضرار محل المعاينة والتقدير، وخبراء تسوية المطالبات التأمينية Third Party Administrator، وغالباً ما يتم الاستعانة بتقاريرهم في نوعيات محددة من المنازعات كالمنازعات الناشئة عن وثائق تأمين الحريق وخيانة الأمانة ومنازعات التأمين الهندسي والتأمينات البحرية والجوية لما يتوافر لديهم من الخبرات التخصصية المؤهلة لتحديد الأضرار المشمولة بالتغطية التأمينية واستبعاد ما يكون مستثنى منها أو الواقع في نطاق التحمل واجب الحسم من المطالبة Excess أو ما قد يتم حسمه من مبالغ نتيجة الاستهلاك أو الاهتراء Depreciation، أو احتساب شرط النسبية Average Clause في حالات التعويض الجزئي عن الأضرار غير المؤمن عليها بكامل قيمتها السوقية وقت الحادث، وبصفة عامة تطبيق شروط واستثناءات وثيقة التأمين على المطالبة بهدف الوصول إلى القيمة التعويضية واجبة السداد، وإلى جانب هؤلاء المقدرين توجد مجموعة أخرى من المتخصصين المرخص لهم بتقديم الاستشارات المحاسبية يتم الرجوع إلى تقاريرهم المتخصصة في مجالات المراجعة الحسابية والمحاسبة القانونية والاكتوارية Actuaries بهدف مراجعة نوعية معينة من المستندات والتقارير المالية التي تقدم في بعض القضايا -فعلى سبيل المثال- تتم الاستعانة بتقارير الخبراء الاكتواريين في مراجعة آليات احتساب العوائد الاستثمارية التي تطبقها شركات التأمين في منازعات تأمين الحماية والإدخار متى كان النزاع متعلقا بالاختلاف حول العائد الاستثماري المستحق للمؤمن له وفقاً للبرنامج المشترك فيه، فضلا عن بعض الجهات الرسمية المختصة بإصدار نوعية معينة من التقارير مثل الإدارة العامة للدفاع المدني المختصة بإصدار التقارير المتعلقة ببيان وصف وأسباب حوادث الحريق، حيث يتم الاستعانة بتقارير الخبراء والاستشاريين متى كانت آرائهم لازمة للتعرف على ظروف وملابسات الحوادث التأمينية أو تحديد قيمة الأضرار الناجمة عنها.
سياسة تبويب المبادئ التأمينية
وفيما يتعلق بدور عمل الأمانة العامة للجان التوعوي، قال أمين عام لجان الفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية في «ساما»: عندما نتحدث عن الوعي في التأمين، فنحن نتحدث عن الوعي في قطاع حديث النشأة بالغ الأهمية، حيث تنبع أهميته في ارتباطه بمختلف مناحي الحياة على المستويين الفردي والمؤسسي. لذلك فمن الأهمية بمكان أن يتم تأصيل الوعي التأميني لدى الأفراد والكيانات الاقتصادية على حد سواء فمما لا شك فيه أنه كلما ارتفع مؤشر الوعي التأميني في مجتمع ما انخفض في المقابل معدل المنازعات الناشئة عن الخدمات التأمينية في هذا المجتمع، وهي الحقيقة التي ندركها تماماً ونحرص على المساهمة فيها بفاعلية بحسبها من الغايات التي تتطلب تضافر مجهودات كافة الأطراف ذات العلاقة بالعمل التأميني، حيث ننتهج سياسة تبويب المبادئ التأمينية التي يتم تطبيقها في قضايا التأمين سواء عند تفسير أو إعمال شروط التغطيات التأمينية المختلفة والتي يرجع إليها أطراف المنازعات التأمينية كسوابق مستقرة Precedents عند الاختلاف في تفسير أي شرط من شروط وثائق التأمين وذلك تمشياً مع النظم المعمول بها عالمياً لدى جهات الفصل في قضايا التأمين، لما لهذا النهج من دور توعوي مباشر يسهم في نشر ثقافة الوعي التأميني وتبصرة المتعاملين مع شركات التأمين وأصحاب المهن الحرة بحقوقهم والتزاماتهم الناشئة عن وثائق التأمين بأنواعها المختلفة، وإلى جانب هذا الدور فمازالت هناك العديد من الأدوار التي يتعين القيام بها من قبل جهات عدة حتى يتنامى الوعي التأميني لدى كافة فئات المجتمع، فالمسؤولية مشتركة ويتعين أن يتحمل جميع الأطراف مسؤوليتهم تجاه المجتمع، ومن هذه الجهات شركات التأمين وأصحاب ومزاولي المهن الحرة، كما لا نغفل الدور الفاعل والمؤثر للإعلام في نشر ثقافة الوعي التأميني مجتمعياً، ومن الملاحظ حاليا أن الإعلام قد اتجه إلى إلقاء الضوء حول التأمين وأهميته على المستويين الفردي والمؤسسي، حيث لاحظنا وجود دوريات متخصصة في التأمين تسعى نحو نشر هذه الثقافة، فضلاً عما لاحظناه من اطروحات جدية في العديد من وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المهتمين بالخدمات التأمينية، حيث أرى أنها محاولات جادة وسيكون لها بالغ الأثر في التعريف بالرسالة والغاية من التأمين.
طموحات الأمانة العامة والتحديات
وبخصوص الطموحات التي ترمي إليها الأمانة العامة تجاه قطاع التأمين، أشار السحيباني إلى أنه عند إنشاء الأمانة العامة للجان في عام 1427هـ كانت هناك مجموعة من الطموحات والتحديات التي فرضها الوضع القائم آنذاك والمتمثلة في ضرورة تكوين وتأهيل الكوادر الفنية والإدارية اللازمة للبدء في التعامل مع القضايا والمنازعات التأمينية على نحو يكفل تحقيق العدالة وفقاً لأفضل النظم والآليات المعمول بها عالمياً في هذا المجال بهدف تعزيز الثقة فيما يطرحه القطاع التأميني من خدمات لاسيما خلال تلك الفترة اللاحقة لصدور نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني. وفي الوقت الراهن، وبعد أن استكملت الأمانة العامة للجان هيكلها الوظيفي وحققت خططها المرحلية المتعلقة بالتوسع الجغرافي وتوفير الكوادر البشرية والتصدي للقضايا والمنازعات وفقاً لأحدث الأساليب والوسائل التخصصية، فإن أهدافها الخاصة بالمرحلة الحالية تتمحور حول الاستمرار في تطوير وتأهيل الكوادر البشرية من كافة النواحي الفنية والنظامية والإدارية، ومواكبة التطورات التي تشهدها جهات الفصل في المنازعات المالية.
الوساطة للفصل في المنازعات
وعن التنسيق بين الأمانة العامة ومثيلاتها في دول أخرى أوروبية أو عربية أو خليجية من أجل الاستفادة من خبراتهم، أكد السحيباني أن الأمانة العامة للجان عكفت منذ إنشائها على دراسة وتحليل اساليب ووسائل الفصل في المنازعات ذات الطبيعة المالية وكذا الأنظمة والقواعد الحاكمة لآليات الفصل في هذه النوعية من القضايا لدى العديد من البلدان المشهود لها بالتقدم في هذا المجال ومنها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والعديد من الدول الأوروبية، حيث تم التعرف عن كثب على ما لهذه الوسائل من مزايا وما عليها من مثالب، وحيث يتنامى عالمياً في الوقت الراهن اللجوء إلى الوسائل البديلة للفصل في المنازعات الناشئة عن الخدمات المالية Alternative Disputes Resolution ويأتي في مقدمتها أسلوب الوساطة Mediation، ولعل من أبرز الجهات المتخصصة في الفصل في المنازعات ذات الطبيعة المالية ما يعرف بهيئات الفصل في المنازعات المالية Financial Ombudsman Services – FSO المنشأة بموجب قانون الخدمات والأسواق المالية الصادر بالمملكة المتحدة عام 2000، والتي تتبع العديد من الآليات والوسائل البديلة في الفصل في المنازعات المالية ومنها المنازعات المتعلقة بالتأمين، لما تحققه هذه الوسائل البديلة عن الطرق التقليدية للتقاضي من نجاحات على مختلف الأصعدة لعل من أبرزها سرعة الفصل في المنازعات من قبل جهات متخصصة تتمتع بالاستقلالية والخبرة الفنية والنظامية، فضلاً عما تكفله من مزايا الاحتفاظ بودية العلاقات التعاقدية بين اطراف المنازعات مع إمكانية استمرار تعاملاتهم المالية بعد إنهاء النزاع المع روض.
وتابع: لذا فقد حظيت وسيلة الوساطة Mediation باهتمام الأمانة العامة للجان حيث أفردت لها الكوادر الفنية والقانونية المؤهلة لبحث ودراسة القضايا وعرض الصلح والتوفيق الذي يؤسس على ما تنتهي اليه الآراء الفنية والنظامية في المنازعات، وتعكس الإحصاءات السنوية عن أعمال الأمانة العامة للجان معدل الارتفاع المطرد سنوياً في أعداد وقيم المنازعات التي يتم إنهاؤها صلحاً بين شركات التأمين والمؤمن لهم والمستفيدين من التغطيات التأمينية، بما يتماشى مع الآليات المعمول بها عالمياً في الفصل في منازعات التأمين، حيث تعزز هذه الوسيلة إلى جانب ما يصدر عن اللجان من قرارات من ثقة المتعاملين والمستفيدين من الخدمات التأمينية بالمملكة، كما تحرص الأمانة العامة للجان على متابعة التطورات التي تطرأ على آليات الفصل في المنازعات إقليمياً وعالمياً بهدف ضمان مواكبة وانتقاء أنسب الوسائل وأكثرها ملائمةً لتحقيق المهام المنوطة بها.