الأمن والتنمية صنوان لا يفترقان، فلا تنمية دون أمن، ولا استدامة لأمن دون تنمية، فكلاهما يؤثر ويتأثر بالآخر، لذا لم أتفاجأ بتركيز أمراء المناطق في اجتماعهم الذي عُقد في جدة الأسبوع الماضي، على الأمن والتنمية كقاعدة أساسية يتم الانطلاق منها إلى فضاء البناء والتطوير، لتحقيق أهداف البناء والتطوير.
وزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، أكد على أن «الاجتماع تدارس الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال، التي تهدف إلى تعزيز الأمن والتنمية الشاملة وما يخدم مصلحة الوطن والمواطن».
أعتقد أن استكمال الحكومة لمراحل مهمة من المشروع الشامل لتنمية الإنسان والمكان، يستوجب توفير الحماية اللازمة لها أولاً، وقبل الشروع في استكمال برامج التنمية التي تحتاج دائماً إلى الأمن والاستقرار.
هناك سواعد مباركة، انشغلت في تحقيق هدف البناء والتطوير، وخلق نهضة تنموية شاملة داعمة للاقتصاد ومحققة لأهداف التنمية، تُنازعها أيادي الشر التي تسعى إلى هدم البناء، وتدمير الاقتصاد، وإراقة الدماء، ما يجعلنا أكثر حاجة لتقديم الأمن على التنمية، والذي بتحقيقه تتحقق الضرورات الخمس، وتتقدم الأمم وتزدهر.
بعد الحرب العالمية الثانية، جُردت اليابان، وألمانيا من قدراتهما العسكرية، وفرضت عليهما قوانين صارمة في الصناعات الحربية وبناء الجيوش، فتفرغتا للتنمية الشاملة التي تفوقتا فيها على باقي دول العالم، وعلى رأسها الدول المنتصرة في الحرب.
وقبل ذلك، دخلت أوربا في حروب طائفية عبثية أسفرت عن قتل عشرات الملايين من الرجال والنساء والأطفال، وتسببت في تدمير المنطقة.. وبالرغم من الضحايا والخسائر لم يتمكن، أيٌ من الأطراف المتنازعة، من حسم المعركة، وتحقيق هدف الأمن والاستقرار والسيطرة، فعادوا إلى المربع الأول، وسعوا للاتفاق والتصالح فيما بينهم، ونبذ العنف، وتحقيق الأمن والاستقرار أولاً ثم الانطلاق نحو التنمية والبناء، وهذا ما حدث بالفعل، فتمخضت اتفاقيات السلام عن أضخم مشروعات التنمية في العالم، والتي وفرت للمواطن الأوربي الحرية والعدالة والتنمية الشاملة. الأمر نفسه ينطبق على الولايات المتحدة الأميركية، قبل توحدها، حيث الحروب الطاحنة بين ولاياتها الغارقة في الفوضى والفقر.
وبعد اتفاقية السلام والوحدة، تحولت الولايات المتناثرة إلى دولة عظمى تسيطر حالياً، على مقدرات العالم الاقتصادية، السياسية، والعسكرية.
إنها لغة السلام التي جاء بها الإسلام، وشدد عليها، وجعلها تحية للمسلمين في الدنيا والآخرة.. عمل بها الغرب (الكافر)، وفرط بها الشرق (المسلم)، فلا غرو أن ينعموا بالأمن والاستقرار والتنمية والرخاء، في الوقت الذي تغرق فيه دول الإسلام في فوضى الحروب الطاحنة، والطوائف المتناحرة، وتدمير التنمية النسبية التي نجحوا في تحقيقها من قبل.
يبدو أن العقول المتطرفة لم تدرك بعد أهمية الأمن والاستقرار، فقد استحوذ عليها الشيطان وجعلها أداة هدم وتدمير في أيدي الاستخبارات الغربية التي تجاهد منذ سنوات لضرب معقل الإسلام والمسلمين.
استباحت الدماء والحرمات، ووجهت سلاحها للمجاهدين الحافظين حدود الدولة، وكَفَّرت العلماء والولاة وكل من خالف نهجهم الشيطاني.
يأبى «خوارج العصر» إلا أن يدنسوا أرض الحرمين، ويشعلوا فيها الفتن، تنفيذاً لمخططات غربية معادية.. وهو ما يستوجب المواجهة بحزم، وتقديم الأمن على التنمية.
في الوقت الذي نرى فيه تضحيات رجال الأمن، وذودهم عن حمى الوطن، وتقديم أرواحهم لتحقيق الأمن للمواطنين والمقيمين، نجد أن شريحة من الدعاة والمفكرين والأجهزة الإعلامية، يحجمون عن تحقيق الحد الأدنى من المواجهة الفكرية لـ «خوارج العصر».
البعض استكثر الترحم على أرواح شهداء الواجب، والبعض الآخر تعمق في البحث عن الأسباب متجاهلاً النتائج القاتلة وإدانتها.
بعض الدعاة والمفكرين كانوا علينا أشد من «داعش»، وهذا لعمري هو الخوار الحقيقي، والخسران العظيم.. ما لم يواجه فكر «خوارج العصر» بشفافية ووضوح، واستدامة تفضي إلى اجتثاث الفئة الضالة، فلا يمكن تحقيق هدف «الأمن والتنمية الشاملة».
الحرب على الإرهاب، وفكر الخوارج يجب أن يكون مقدماً على ما سواه، فلن تنعم المملكة بالأمن والاستقرار والتنمية، ما لم تُواجه جماعات الإرهاب في معاقلها الخارجية، وفق الخطط الاستخباراتية والعسكرية، وما لم تُجتث نبتة الخوارج الفاسدة من أرض الإسلام والسلام الطاهرة.