حتماً الكل مر في يوم ما، بخبرة ضيقة الصدر، فالانقباض والانكسار، وعدم الرغبة في مخالطة أحد أو محادثته أو التواصل معه، سمات الكل يخبرها، حيث تسيطر حالة نفسية انطوائية طارئة، سمتها الرغبة الظاهرة في الانزواء والوحدة، والانكفاء والانعزال، والتي غالبا ما يعبر عنها بمقولة: «أشعر بضيقة في صدري»، «صدري اليوم ضايق»، أو يعبر عنها صديق أو زميل بمقولة: «سلامات ليه صدرك ضايق»، «عسى ما شر، شكلك ضايق صدرك».
ولهذه الحالة النفسية من ضيقة الصدر، العديد من الاحتمالات:
الاحتمال الأول: أنها بسبب تغير بيوكيمياوي في الجسم، والدليل أن الإنسان عندما يراجع نفسه لا يجد سببا للحالة النفسية التي جعلته بهذه الصفة من الانكفاء وضيقة الصدر التي تحصل فجأة ولمدة غير محددة، قد تبلغ ساعات أو يوما أو أكثر.
الاحتمال الثاني: أنها بسبب التأثر المفاجئ بخبر غير سار، غير متوقع، وفاة قريب، أو مرض صديق، أو تعرض زميل لحادث طريق، أو شعور بالخيبة من موقف خلاف الظن، غير متوقع من عزيز أو قريب، هذه المواقف وغيرها كثير تمر بالإنسان يوميا، وهي كفيلة بتغيير حالته النفسية، وحصول ضيقة الصدر التي تختلف بحسب الحالة قربا وبعدا من المتأثر بها.
الاحتمال الثالث: إنها بسبب من عند الشخص الضائق صدره نفسه، حيث يصدر أحكاما جائرة على الآخرين بسبب خطأ في التفكير، أو خطأ في تفسير موقف، أو تحميل رأي غير ما يحتمل، أوالحكم على سلوك خلاف حقيقته، هذه الأخطاء في التفكير، للأسف مما ابتلي به كثير من الناس، وينتج عنها أن يحمل في نفسه على غيره فتتحول إلى ضيقة صدر، ومن تبعات هذه الأحكام، أو الحمل في النفس، أنها تتجدد كلما تذكر من حكم عليه سوءا، أو حمل في نفسه عليه كرها.
يعد الاحتمال الثالث الأكثر في حصول ضيقة الصدر، وهو مما يعاني منه بعض الناس فقد ابتلوا ببلوى الخوض في النوايا، وبالتعميم والتسرع في الاستنتاج دون تثبت وتحقق، وبالاعتماد على مصادر غير موثوقة في نسب قول أو فعل للآخر، وخاصة أقنية التواصل الاجتماعي التي يغلب على ما يرد فيها النقل السريع للمعلومة قبل التثبت من صحتها من المصادر الموثوقة، أومن الشخص نفسه الذي قد يحمل زورا مقولة لم يقلها، أو موقفا لم يتخذه.
وحيث إن الاحتمال الثالث هو الأكثر، فعلى المبتلين به الاستئناس بهذا الحديث، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كنا في المسجد عند رسول الله، فقال النبي عليه الصلاة والسلام «يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة» قال: فدخل رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه بيده، فسلم على النبي وجلس، قال: ولما كان اليوم الثاني قال: يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة» قال: فدخل ذلك الرجل الذي دخل بالأمس، تنطف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه بيده، ثم في اليوم الثالث، قال عبد الله بن عمرو بن العاص: فقلت في نفسي: والله لأختبرن عمل ذلك الإنسان، فعسى أن أوفق لعمل مثل عمله، فأنال هذا الفضل العظيم أن النبي أخبرنا أنه من أهل الجنة في أيام ثلاثة فأتى إليه عبد الله وقال: يا عم: إني لاحيت أبي - أي خاصمت - فأردت أن أبيت ثلاث ليال عندك، آليت على نفسي ألا أبيت عنده، أذن له، قال: عبد الله ما رأيت كثير صلاة ولا قراءة، ولكنه إذا انقلب على فراشه ذكر الله، وإذا أذن الصبح قام فصلى، بعد مضي الأيام الثلاثة، قلت: يا عم ما بيني وبين أبي خصومة، لكن الرسول ذكر في أيام ثلاثة أنك من أهل الجنة، فما رأيت كثير عمل، قال يا ابن أخي ما رأيت، فلما انصرفت دعاني، فقال: غير أني أبيت ليس في قلبي غش على مسلم، ولا أحسد أحداً من المسلمين على خير ساقه الله إليه، قال عبد الله: تلك التي بلغت بك ما بلغت، وتلك التي نعجز عنها.
اللهم نور صدورنا بنور الإيمان بك، واجعلها واسعة فسيحة رحيبة سهلة لا حرج فيها ولا ضيق على أحد من عبادك الصالحين.