كثيرة هي الرسائل التي تصلني من قارئاتي الوفيات، أحاول أن أنقل رسائلهن بإعادة صياغة محتواها، أو بنقل الفكرة دون الإشارة إلى الرسالة - حسب رغبة المرسلة - لكن بعض الرسائل التي يحملها بريدي تستحق أن تنشر كما هي دون تغيير أو تعديل في حرف أو جملة؛ فالكلام الذي يخرج من القلب لا بد أن يصل إلى كل القلوب الحية، التي تستشعر ما يحس به الآخرون، كيف ومن تحمل كل هذه الهواجس والآلام والأحلام امرأة..
تقول:
كم بقيت حروفي مترددة، أتعبر لتصل أم تبقى كالكثير ممن سبقها. صدقاً ليس لدي ما أقوله، لكنه حديث نفس أردت أن أشاركك به, فلكم أخذتني الدهشة لأفكارك وتميز طرحك. كما أن الرسالة التي تحملينها على عاتقك تحملها الكثيرات وأنا إحداهن، لكن الفارق هنا أن صوتك يصدح بقوة وثقة.. أدام الله عليك عافيتك.
سؤال جال بخاطري اليوم جعلني حائرة: ما الذي يريده كل شخص؟ منزل، دخل مستقر، عافية، سيارة؟ أتتشابه أحلام البسطاء بأحلام الأغنياء؟ أم أن للأحلام طبقات؟ مقهورة يا سيدتي، والقهر هو ما دعاني للتفكير بأشياء غريبة رغم أنني اعتدت الغرابة في أفكاري. اليوم، وقد احتفلت بعيد ميلادي الثالث والثلاثين، مطلقة بعد زواج دام خمسة أشهر، ولله الحمد هربت من ذاك الرجل، ووقفت بكل عناد لأحصل على ورقتي. الحمد لله، لست بحانقة بل راضية تمام الرضا، وها أنا أكمل الماجستير في جامعة الملك سعود مع أني كنت أحلم بأن أكمل تعليمي مبتعثة، لكني تخرجت قبل عشر سنوات، ومضت وأنا أنتظر فيها الوظيفة كل دقيقة في اليوم. عملت خلالها في مدارس أهلية بـ1500، وهو ما لا تأخذه عاملة إثيوبية اليوم. عملت في شركة خاصة وفي مركز طبي.
في إحدى الدوائر الحكومية أتيت أحمل شهاداتي وخبراتي ولغتي الإنجليزية الجيدة وورقة الإعلان التي تحمل إعلان التوظيف. استقبلتني السكرتيرة، وسألتها أين التقديم؟ وكيف؟ لترسم على وجهها علامات الدهشة، أي تقديم؟ وبعد جدال واسع دخلت على مديرة القسم، وأريتها الإعلان. ضحكت وقالت: «يا حبيبتي هالإعلان شكلي. الوظائف مسمية قبل تنزل بس عطيني أوراقك احتياطاً».
أنا مقهورة لسبب واحد، هو أنني أريد أن أرسم السعادة على وجه والدتي وأنا أخبرها بحصولي على وظيفة. أحلم بأن أفتح لوالدتي حساباً ينزل فيه مبلغاً ثابتاً كل شهر؛ لتكتفي بنفسها عن سؤال والدي، هذا الرجل المسكين الذي يعول 10 بنات. والله قلبي يتقطع وأنا أنتظر 200 ريال أو 500 ريال يضعها والدي في يدي، أرفض أحياناً وأنا أقول في نفسي: «متى سيأتي اليوم الذي أرد لك جميلك وأساعدك يا حبيبي».. مؤلم والله أن أنتظر منه مصروفي وأنا في هذا العمر!
الحمد لله، نحن بأحسن حال، ولا نشكو من نقص، لكن الأحلام هي ما تتعبنا.
متى يمكننا أن نعطي وقد بدأ الشيب يغزو مفارقنا؟ أخبرت والدتي بوجود بعض الشعرات الرمادية فبكت..
انتهت الرسالة، وتبقى الحواجز التي نقفزها رغمًا عنها، متى ما وُجدت الإرادة.