Wednesday 16/07/2014 Issue 15266 الاربعاء 18 رمضان 1435 العدد
16-07-2014

عندما لا يفيد التعليم

منذ أكثر من عام يراودني هاجس يستثير ذهني للنظر في الفكر السائد لدى الشباب السعودي اليوم، وسمات هذا الفكر وكيف تكون؟ وإلى أين هو صائر؟، وأكثر ما يقلق المراقب للمحصلة الفكرية للمجتمع السعودي هو طغيان السمات السلبية على الفكر الجمعي والفردي السائد, منها على سبيل المثال التطرف الموقفي والإقصاء المنهجي، والاستنتاج غير المنطقي، وغياب النقد الذاتي، وسيادة الأنانية والحمية والعنصرية، هذا إلى جانب الاستعداد العدائي للمختلف وغياب التسامح والاحتمال، والفكر السائد في المملكة أصبح بهذه الحال نتيجة مؤثرات متعددة، سردها وتبيينها يحتاج إلى كتاب وليس مقال، ولكن أهم هذه المؤثرات هو التعليم، التعليم كنظام ومماسة والتعليم كمحتوى ومناهج، وحيث إن التعليم في المملكة - منذ أن أُسست وزارة التربية والتعليم (المعارف سابقاً) 1373هـ - لم يُؤسس على قاعدة إستراتيجية ترمي لتكوين مجتمع له سمات محددة، سوى ما ذكر في بعض أدبيات الوزارة التي جعلت الهدف من التعليم هو تعريف الفرد بربه ودينه وإقامة سلوكه الشرعي وتلبية حاجة المجتمع من الممتهنين والمحترفين للزراعة للصناعة والبناء والخدمات.. لذا لم يكن ضمن اهتمامات الوزارة تكوين مجتمع له سمات فكرية محددة يعد للمستقبل.

بحثت عن تعريف التعليم في أدبيات وزارة التربية والتعلم، فلم أوفق وبحثت في مواقع اليونسكو ومواقع أخرى فوجدت تعريفات متباينة ولكن من قراءة تلك التعريفات خلصت لتعريف موحد يتمثّل في التالي: «التعليم هو أداء يُراد به تمكين الفرد من المعرفة العامة وتطوير مهارة الاكتساب المعرفي والتعبير الذاتي وبناء منظومة فكرية للتسبيب والحكم تقوم على تجانس القيم السامية لبلوغ السمو الفكري البشري».. هذا التعريف لا يتفق مع الإستراتيجية المعلنة لوزارة التربية والتعليم والتي ما زالت تهمل البناء الفكري النقدي للفرد، فالفكر السائد لدى الشباب السعودي هو فكر مؤسس ليقبل التلقين، ولا يناقش فكر مؤسس على الخوف من الابتكار والإبداع فكراً مؤسساً على الخوف من النقد ومؤسساً على استعداء المختلف، لذا لا غرابة أن يجد المؤدلجون مجالاً خصباً لهم في عقول الشباب، حيث يفتقرون لمهارة التدبر والتسبيب، بل هم مسكونون بالخوف من مناقشة النصوص التراثية الدينية على وجه الخصوص التي يسوّقها المؤدلجون لنشر أفكارهم حتى ولو كانت هذه النصوص ضعيفة، وهم مسكونون بالخوف من مجادلة الفقهاء فيما لا يتفق والمعطيات العقلية، بل إن معظمهم يميل لتقديس بعض الفقهاء والمحدثين والوعاظ خوفاً من الوقوع في المحظور الشرعي، وهذا ما يجعل الشاب ضعيفاً تجاه بعض الوعاظ المغرضين والذين يجدون بالشباب فرصة للمغامرات بالجهاد في بعض البلدان.

وزارة التربية والتعليم مطالبة اليوم بمراجعة إستراتيجيتها، فالتعليم الذي لا ينتج سوى إمعات يقودهم رعاة الفكر المتطرف، تعليم لا ينفع بل هو تعليم ضار على المدى البعيد، هذه الوزارة قال وزيرها الجديد صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل: «إن التعليم كان مختطفاً» والواقع أن التعليم كان في حضن من رباه ليصبح بهذه الصورة، ولكن كلام الأمير فيه اعتراف شجاع بقصور التعليم منهجاً وتطبيقاً، وهو لا شك دافع لتبني منهج التغيير، الأهم أن يصبح التعليم عامل بناء لفكر سعودي جديد يعتمد التسامح والاحتمال والنقد الذاتي والتسبيب وأن يزرع قيم العدالة وتأصيل الحقوق في أذهان النشء الجديد.

mindsbeat@mail.com

Twitter @mmabalkhail

مقالات أخرى للكاتب