كتبت في مقال سابق عن بعض الدروس التي خرجنا بها من مونديال البرازيل، والذي أسدل ستاره مؤخراً، بفوز ألمانيا بكأسه، وتطرقت حينها لبعض المنتخبات التي ظهرت بأداءٍ باهت، وبشكل لا يليق بها ولا بالمونديال، وكيف أن هذه المنتخبات كانت تلعب بطريقة بدائية!! وأعادت لنا طرق اللعب العقيمة (الكلاسيكية) التي تعتمد على لاعبي المهارة، واللاعب المنقذ والذي يبنى مصير المنتخب كاملاً على أقدامه!! وهي منتخبات عريقة جداً، وخبرتها طويلة جداً في الملاعب والبطولات، ويفترض أن تظهر بشكل ومستوى أعلى وأحدث من هذا بكثير، والعالم كله يتعلم منها فنون الكرة، ويستمتع بأدائها، وطرق اللعب هذه، خسفت بتلك المنتخبات، وجعلتها تخرج من المونديال بخسائر مذلة ومخزية!! فالبرازيل كانت تعتمد بشكل كامل على نيمار، وتخدم عليه طوال وقت المباريات، وكانت تسير في البطولة بقدم واحدة، وهي قدم هذا النيمار، وعندما أصيب، أصبحت (كسيحة) تماماً، وظهرت وكأنها تلعب كرة القدم لأول مرة في تاريخها، وهي الدولة الأعظم في تاريخ كرة القدم وكؤوس العالم، ونسفت تماماً أمام الألمان الذين طحنوا كل ما تبقى عندها من (بن) ودكوا حصنها المنيع طوال التاريخ بسبع قاذفات، ولولا دموع الجماهير والأطفال والنساء، لقضوا عليها تماماً، والأرجنتين هي الأخرى كانت تعتمد على (ميسي) طوال البطولة إلى أن خسرت النهائي، وكانت المباراة التي طرفها الأرجنتين، يخيل إليك أنها بين لاعب وفريق مقابل!! فعندما تكون الكرة في ملعب لاعبي «التانجو» تشتبك كل الخطوط لتوصيل المدد لميسي المنقذ فقط!! وتضيع هوية الفريق ولا تبنى أي هجمة منظمة وصحيحة، وكذلك الحال مع البرتغال والتي كانت تعتمد بالكامل، على نجمها الأوحد (رونالدو) والذي كان يقود بمفرده كل الفتوحات البرتغالية، وكان يدور في الملعب ويناور ويسدد دون أي مردود فني يعود على فريقه، والذي تلقى هو الآخر الخسائر المذلة وخرج، ففي النهاية لاعب واحد مهما كانت قدراته ومهما بلغت موهبته لن يعمل شيئاً لوحده، في المقابل شاهدنا جميعاً كيف كان منتخب ألمانيا يلعب بثقة وبجماعية ويعتمد في لعبه على طرق اللعب الحديثة، القائمة على الاعتماد على كل لاعبي الفريق، وعلى الانتشار في كل أنحاء المعلب، وكيف كان أبناء «المانشافت» وهي تعني بالمناسبة «الفريق» فريقاً واحداً لا تميز فيه بين الدفاع، والوسط ، والهجوم، ولا حتى الحارس الذي كان يصل أحياناً إلى وسط الملعبيدافع ويساهم أحياناً في صنع الهجمات، فالكل كان يهاجم ويدافع ويجري ويصنع اللعب، وكان الفريق يسير بخطى واثقة وبمستوى ثابت، من أول مباراة إلى أن خطف الكأس بكل جدارة، كرة القدم الحديثة الجماعية التي تعتمد على الفريق كاملاً، هي من تجلب المتعة الحقيقية، وهي من تجلب البطولات، وهي من تساعد على ثبات المستوى، حتى لو كان الاسم قادماً من منتصف التصنيف أو حتى أواخره، ونتذكر كيف حصدت منتخبات أسبانيا وإيطاليا وغيرها اللقب سابقاً عندما كانت تلعب بجماعية، وكيف غادرت ذليلة من الدور الأول عندما تخلت عن جماعيتها، في دورينا (المحلي) الشباب مثال للكرة الجماعية الشاملة لذا تجد أن مستواه ثابت منذ نشأته، وتجد أن أي لاعب ينجح فيه، الأجانب أو حتى المحليين الذين يأتون وقد فشلوا مع فرقهم السابقة.