أي مبرر محتمل للقصور في أداء العمل الخدمي، أو المهام الوظيفية، أو ما يمكن أن يحدث من تجاوز أو تهاون في تنفيذ بعض الأعمال، غالباً ما يُرمى على اللوائح والأنظمة التي تحكم مثل هذه الأعمال، حتى أصبحت هذه اللوائح والأنظمة مطية جاهزة يهرب من خلالها بعض المخالفين، أو المتهاوين عن أي مساءلة، أو تقييم لأدائهم، ليسعى هؤلاء إلى التنصل من مسؤولياتهم، إما تعمدا، أو لجهل في تنفيذ آليات هذه الأعمال.
كما أن هناك من هو على الطرف الآخر، ممن يغرقون بأدق التفاصيل في حيثيات التطبيق لأي لائحة، أو نظام عمل، ويبالغ في فرضيات وتوقعات حول الأنظمة، بل ويفسر أحياناً جوانب خفية قد لا ترد في النصوص الأصلية للأنظمة أو اللوائح التي تحكم العمل الإداري في أي قطاع، أو منشأة خدمية!
فحينما يُحال الأمر إلى فكرة أنه ينفذ هذه النصوص والبنود بحذافيرها، فإنه يتكئ على فرضيات أو تكهنات أو توقعات تبرر لهذا الموظف أو المسئول التنفيذي أن يستمر في نهجه دون أن يلتفت إلى بروز أي جوانب سلبية قد تحدث في عمله، لتعيق التواصل وبناء الثقة مع من حوله، ولاسيما ممن يودون أن تكون الأنظمة واللوائح ونصوص المواد مرنة بما يكفل لها التعاطي الجيد مع المتعاملين، أو العملاء، أو الزبائن الذين قد يحجمون عن التعامل معه ومع إدارته أو منشأته، مما يسبب تعطيلا لمصالح الأفراد والخدمة العامة.
كما أن الشروط والنصوص والشروحات التي ترافق بعض اللوائح والأنظمة قد تكون مبهمة، وقد تتسبب في إعاقة بناء منظومات العمل الإداري والمالي وتنفر منه، أو تسمه بقلة التفاعل، على نحو تعطيل إنشاء بعض المرافق وتعثرها أو توقفها، والسبب قد يعود إلى أن هذه اللوائح والأنظمة لا يبحث لها عن معاضد موضوعي، يسهم في بنائها، ويعرف بمنجزها ودورها التنظيمي الذي يسعى بالضرورة إلى المصلحة العامة، وبناء الثقة بين جهات الاختصاص والمستفيدين، أو المنفذين لهذه الخدمات.
فما ليس باللوائح والأنظمة لا شك أنه الجانب الإنساني، والبعد الأخلاقي في العلاقة بين الأنظمة والأعمال وبين الناس الذين ينتظرون من منفذيها أن يكونوا أكثر قدرة على التعاطي مع المنجز الإداري والمالي بمختلف توجهاته وأهدافه، أضف إلى ذلك أهمية أن تحكم هذه التفاصيل بالقيم والأمانة في النفس ونظافة اليد، لأننا حينما نضع كل هذه التشريعات والتنظيمات في أيد أمينة وإدارات محنكة سنحقق الهدف المنشود.
وحينما يُشار إلى أن اللوائح والأنظمة تحتاج إلى تحديث وتطوير ومتابعة فإنه لا يأتي على هيئة تعديل لمادة أو فقرة ما، إنما ضرورة سن نظام أو لائحة جديدة، لأن ما يتم تعديله يتضح فيه عدم الجدوى، وقد لا يصلح للتطبيق والممارسة الفعلية، لذا من المهم أن نتخلص من فكرة «الترقيع» لبعض الأنظمة واللوائح التي يطالها التعديل دون فائدة تذكر، فمن الأولى استبدالها بمشروع قرار جديد يحل المشاكل بطريقة جذرية، وينطلق من توجه مدروس يقنع الإدارة أو الجهة بأن الحل هو في التغيير وليس في التعديل.
نتحدث هنا عن جانب مهم يتمثل في الممارسة، أو التطبيق لأي آليات عمل جديدة، إذ من المهم أن تكون هذه الممارسة حقيقية وصادقة ولها معان عميقة تساند تطبيق اللوائح وتنظيمها بشكل عادل لا لبس فيه أو مجاملة لأحد، لأن أبرز معوقات تطبيق اللوائح والأنظمة في الجهات الخدمية هو المدارات والمهادنة التي قد تشكل عبئاً كبيراً على أي مشروع إداري أو مالي ينشد النجاح والتميز.