مع اقتراب الشهر الفضيل إلى ختامه نحمد خالقنا أن أعاننا علي صيامه وقيامه رغم التحديات المناخية التي نمر بها هذه السنة حيث وصلت درجات الحرارة في بعض مدننا خلال الظهيرة الى 47 درجة. لكن رغم ذلك... تبدو الظاهرة متكررة.. فالغالبية (إلا من رحم ربي) تشتكي زيادة الوزن رغم (تقليص ساعات العمل ومحدودية أعداد المراجعين والمعاملات مقارنة بالأيام العادية)...
لكن ظاهرة الشكوى من زيادة الوزن في الشهر الفضيل ظلت متكررة وهو ما يعني أطنانا من الشحوم تضاف الى أجسادنا التي تعاني أصلا حيث تؤكد الدراسات المختلفة أن 30 الى 35% من أفراد المجتمع يعانون من السمنة كما أظهرت دراسات نشرت أخيرا (صحيفة الشرق 21 /7/2014) أن المملكة احتلت المرتبة الثالثة عالميا من حيث الخمول البدني وقلة النشاط الحركي بنسبة 86%. وكما أفاد د. الشيف وبحسب دراسات منظمة الصحة العالمية فإن المملكة تعاني من انتشار داء السمنة بالنسب المذكورة كما تعاني من السكري بنسب تراوحت حسب إحصاءات المؤسسة العامة للأحصاء عام 2010 بما يمثل 25% من سكانها، والنسبة مرشحة للزيادة اذا ما استمرت أنماط الحياة كما هي، وبذا فمن المتوقع ان هذه النسب وبعد أربع او خمس سنوات من تلك الإحصاءات قد ارتفعت أكثر وهو ما يعني تدني مستوى التمتع بالحياة للمرضى أنفسهم وكلفة مالية هائلة بلغت سنويا (وبحسابات 2011) (من: ورشة عمل اللجنة الطبية بغرفة الرياض بالتعاون مع المستشفى الوطني بالرياض) (و قبل حدوث مضاعفات لدي المريض وخاصة من كبار السن) حوالي 30 مليار سنويا، وإذا ما أخذنا معدلات التضخم الحالية وضعف صرف العملة النقدية المحلية فربما نتكلم بحسابات اليوم عن تكلفة علاج مضاعفة للرقم المذكور.
ولعلنا نجد في هذا الشهر الكريم لهفة الزيادة في مقادير الأكل والشرب في كل منزل حيث تربط سيدات المنازل الأحزمة ويحلقن بأنواع الاطباق والمشهيات الى آفاق غير مسبوقة والسؤال لماذا؟
إنها الطبيعة الإنسانية فيما أظن فحين نفكر في الطعام ونحن جياع تزداد لهفتنا عليه رغم أن درجة الحرارة العالية لا تمكن الانسان من الاكل بعد الإفطار، كما قد يظن فما يحتاجه جسده فعلا هو السوائل أولا إضافة الى أننا (وربما حتى على غير عادتنا) قد نعمد الى أكل المقليات والحلويات التي تكون سببا رئيسيا في إضافة الكيلو جرامات الإضافية إلى أجسادنا.
وفي دراسة حديثة ظهرت في جامعة كورنيل وجد الباحثون أن الانسان الذي يقوم بشراء احتياجاته الغذائية وهو جائع أميل الى أن يشتري أطعمة ذات سعرات حرارية مرتفعة ! فحين تكون جائعا لن تبحث عن الخس مثلا بل تشتم رائحة الخبز! كما ستشدك بلا شك صور أطنان الكنافات والمعجنات التي تنتشر انتشار النار في الهشيم في كل جزء من مدننا.
وفي الدراسة المذكورة استخدم الباحثون 68 متطوعا صوموهم لعدد من الساعات ثم أخذوا نصفهم وأعطوهم بعض البسكويتات المشبعة بالألياف لإشعارهم بالشبع ثم طلبوا منهم القيام بشراء موادهم الغذائية عبر النت فوجدوا فروقا كبيرة في سلوك المتبضعين حيث إن المجموعة الصائمة اشترت مواد ذات سعرات حرارية كبيرة مقارنة بالمجموعة الأخرى،كما قامت نفس مجموعة الباحثين بتتبع سلوك بعض المتبضعين الفعليين (في حياتهم اليومية) عن طريق مقارنة فواتير من تبضع بعد تناول وجبة الغداء وهي تقريبا الواحدة ظهرا في الغرب (وهي في الغالب وجبة خفيفة هناك تشبه وجبة العشاء عندنا إذا لم نكن معزومين او عازمين !!) ثم قارنتهم بسلوك متبضعين بعد الساعة الخامسة والسادسة أي من هم في انتظار عشائهم (وجبتهم الرئيسية) بعد عمل يوم طويل ووجدت أن الجائعين اشتروا أطعمة ذات سعرات حرارية أعلى مقارنة بالمتبضعين الأول مما يؤكد نتائج ما توصل إليه الباحثون في تجربتهم المعملية الأولى.
أتصور لو أن الدراسة تمت لدينا وأخذت في حسبانها الفروق الثقافية (حيث إن الأجانب في الغالب يحددون في ورقة ما ينقصهم من أغراض في حين نذهب نحن الى السوق اعتمادا على الذاكرة والتخمين، وما ذكرته الشغالة وما يقفز به الأطفال من أفكار لحظة التبضع الخ من الفروقات الثقافية) أقول لو أنهم أخذونا نحن لهذه الدراسات لوجدوا أيضا زيادة في كميات التبضع وليس فقط في نوعها وهو ما يفسر الأرباح المضاعفة التي يحققها أصحاب المحلات والحلويات والانشغال الكبير لمن يعملون في قطاع التغذية خلال الشهر الكريم.
في النهاية ورغم عظم عبرة الصوم لتدريب النفس وتهذيبها على تحمل التخلي عما تحب وعسف النفس عما اعتادت وتذكر من هو محروم وهي القيم الفعلية الرمضانية التي تختصرحكمة الصيام الا ان السلوك الاجتماعي والتأثيرات الثقافية للشعوب قد تغلب نفسها أحيانا على سلوك الصائمين.
كما نري اليوم في كل أنحاء المملكة.
نركض كما العادة لنلحق بالإفطار، وعلى الزاوية القريبة يقف أب مع ولديه الصغيرين يوزع حبات التمر وقوارير الماء على قائدي المركبات ومن معهم...