يعتقد الكثير أن بعض المسؤولين لديهم قدرات خارقة، وأنهم أصحاب مهارات مميزة يصعب أن تكرر في غيرهم، وينظر البعض لأولئك المسؤولين على أنهم عباقرة وملهمين وحتى لو حدث من بعضهم أخطاء فهي أخطاء محسوبة، بل إن البعض من شدة تبريره لتلك الأخطاء يشير بأنها أخطاء مقصودة لمعرفة ردة الفعل،
أو أنها عبارة عن بالونات اختبار يحرص المسؤول على إطلاقها بين فترة وأخرى ليعرف من خلالها نبض إدارته وكيف يمكن أن يتعامل معها؟.
وزارة الاقتصاد والتخطيط كشفت عكس ذلك وحددت بأن هناك مواطن ضعف لدى بعض المسؤولين في أداء مهامهم الإدارية التي يشغلونها، ونشرت صحيفة مكة هذا الأسبوع أربعة أسباب لذلك الضعف تركزت في نقص الأدوات والأساليب الكافية للقيام بالمهام، وعدم تلقي الكثير منهم المستوى المطلوب من التدريب الذي لابد منه للارتقاء بمهامهم، فضلا عن انخفاض التعليم، إضافة إلى مشكلة نظام الحوافز لتشجيع المؤهلين.
وقد أوضحت الوزارة في خطتها التي قدمتها أنها ترمي للتحول إلى المجتمع المعرفي بمنح الوزارات الحكومية قدرا من الاستقلالية، خاصة فيما يتعلق بالطرق التي تتبعها في تعيين الموظفين وتحسين رواتبهم وترقيتهم، وكشفت عن وجود فجوة بين اختصاصات الوزارات الحكومية السعودية ومهامها وقدرات مسؤوليها المهنية، لذلك فإنها توصي بضرورة تلقي الكثير من مسؤوليها المستوى الكافي من التدريب مطالبة بتعيين كفاءات من نخبة مؤهلة كمسؤولين ممن يتم توظيفهم بصورة مستقلة عن طريق إجراء اختبار تعيين موظفي الدولة في الخدمة المدنية، ولعل هذا الأمر واضح وجلي، فكثير من المسؤولين الذين يتم تعيينهم يطلب في بداية تعيينه فترة زمنية معينة ليتعرف ويفهم ويطلع على القوانين والأنظمة واللوائح الموجودة ويستوعب بيئة وطبيعة العمل التي قد تكون جديدة كلياً بالنسبة له، وتتفاوت تلك الفترة الزمنية بين 3 أشهر وقد تتجاوز العام وخلال تلك الفترة يكون المجتمع في أمس الحاجة لكثير من الخدمات وفي انتظار العديد من الإنجازات التي تتأخر حتى يتمكن المسؤول الجديد من الإلمام بمهامه الجديدة.
أكدت الوزارة في خطتها على ضرورة إحداث تطوير جذري على نظام الخدمة المدنية فيما يتعلق بالمسؤولين في الخدمة المدنية حتى يتسنى التعامل مع السلبيات وتطوير التعيينات والتكليف بالأعمال وتقويم الأداء والترقية والرواتب والمكافآت، بحيث يبنى كل ذلك على أسس ومعايير من الجدارة والأداء إضافة إلى تطوير البرامج التدريبية للمسؤولين وتأهيلهم، كما طرحت تلك الوزارة ضرورة تبني ما يسمى لدى بعض الخبراء «نظام التوازن عبر مسارين» والمساران هما النظام الحالي للتوظيف ويضاف إليه بالتوازي نظام ثان لتوظيف النخبة في أجهزة الدولة المختلفة، على أن يتم العمل على زيادة أعداد من يتم توظيفهم وفق مسار النخبة وتقليص إعداد الموظفين في المسار العادي، ولتطبيق هذا المنهج يجب البدء بتعيين الكفاءات من النخبة المسؤولين الذين يتم توظيفهم بصورة مستقلة عن نظام التوظيف الحالي من خلال إجراء اختبار تعيين موظفي الخدمة المدنية، وهو اختبار سنوي تنافسي عادل وغير متحيز وشفاف ويعتمد على الجدارة في الجهات المعنية.
إن أعداد أفراد المجتمع في تزايد والخدمات المطلوب توافرها لأفراد المجتمع هي أيضاً في تزايد، بل إن المجتمع لم يعد يكتفي بتوفير الخدمة فقط بل وتقديمها في مستوى مميز، فقد أصبح سقف التوقعات لأفراد المجتمع يرتفع يوماً بعد يوم، وهذا يحتاج إلى مهارات إدارية متخصصة ويحتاج إلى قيادات متميزة، ويحتاج إلى مديرين يعملون بكل جد واجتهاد ويحتاج إلى مسؤولين يشعرون بأن المنصب تكليف، فلامكان اليوم إلا للقوي الأمين الذي يساهم في قيادة هذا الوطن ليأخذ مكانه في مصاف الدول المتقدمة.