لم تكن رعاية وتكريم - سمو الأمير - أحمد بن فهد بن سلمان بن عبد العزيز، لحفظ القرآن الكريم، والسنة النبوية للبنين، والبنات، والتي تنظمها الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمنطقة الرياض (إنسان)، على جائزة حصة بنت عبد الله بن عمر بن عفيصان، وذلك خلال الفترة من 18 شعبان، ولغاية 10 رمضان 1435هـ، إلا خطوة رائدة، ورسالة سامية؛ لدفع أبنائنا، وبناتنا على حفظ القرآن الكريم، وتلاوته، وتدبره، وكذلك الاعتناء بحفظ سنة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - والعمل بها.
بداية، فإن إكرام حافظ القرآن الكريم، هو من إجلال الله تعالى، فعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « إن من إجلال الله، إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه، والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط». رواه أبو داود (4843).
إن حفظ القرآن الكريم من خصائص الأمة المحمدية، فهو منهاج دعوة من حيث نزوله على مدى عشرين عاماً من الزمان، وعلى مقتضى الظروف، والأحوال. وهو دستور حياة الأمة التي استجابت، وآمنت بالفعل. فكان شاملاً، وباقياً، وحياةً للروح، - لاسيما - أن الله وعد بحفظ القرآن من عبث الهوى، وشطط العقل. بل وصف الله - تعالى - القرآن بقوله: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}. وثبت في الحديث القدسي الذي رواه مسلم، أن الله - تعالى - قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثتك؛ لأبتليك، وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء، تقرأه نائماً، ويقظان»، قال النووي - رحمه الله - (17-204): «فمعناه: محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مر الزمان». فأحاطوه بقلوبهم وجداناً، وبعقولهم فهماً، ودرساً.
وقد جاءت معجزة القرآن الكريم وافية بحاجات الإنسان، مثيرة لمواهبه - كلها -، متجهة لبناء شخصية جديدة، تتميز بالعمل، والإنتاج، وبعث القوة المعنوية، والقيمة العملية، فبسط القرآن عقائد الإيمان - كلها - بأدلتها العقلية القريبة القاطعة. وبيّن أصول الأحكام، وأمهات مسائل الحلال، والحرام، ووجوه النظر، والاعتبار، مع بيان حكم الأحكام، وفوائدها في الصالح الخاص، والعام. وبيّن مكارم الأخلاق، ومنافعها، ومساوئ الأخلاق، ومضارها، مما يحصل به الفلاح بتزكية النفس، والسلامة من الخيبة، وعرض علينا هذا الكون، وعجائبه، ونبهنا على ما فيه من عجائب الحكمة، ومصادر النعمة؛ لننظر، ونبحث، ونستفيد، ونعمل. ودعانا إلى تدبره، وتفهمه، والتفكر في آياته. وعلمنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، هو المبين للناس ما نزل إليهم من ربهم، وأن عليهم أن يأخذوا ما آتاهم، وينتهوا عما نهاهم عنه.
لقد أدرك المربون - اليوم - الحاجة الملحة للتربية على معالي الأمور، - لاسيما - أن الناظر لواقعنا يرى وضعاً سيئاً تعيشه الأمة، لم يمر عليها طوال الأزمنة المتقدمة، بسبب هجمات الأعداء، انحرف بسببها كثير من أبنائنا، فكان لزاماً على الجميع معرفة قواعد التربية الصحيحة؛ لتخريج جيل يتمثل المعاني الجادة في حياته، والقيام بكل الوسائل المتاحة؛ لتمنحنا النتائج التي نبتغيها، وننشدها.
إن إدراك التنشئة التربوية القائمة على القرآن الكريم، هي هدف جمعية «إنسان» الأهم، والأسمى. ولا شك - فإن القرآن الكريم، هو عقل المؤمن، ودستور حياته، بل هو أعظم ما يجب صرف الهمم إليه. فبه يتعلم توحيد ربه، ويأنس بكلامه، وينشأ نشأة صالحة، وبه يتحقق الأمن الفكري، ببعده عن الغلو، وحمايته من الأفكار المنحرفة. فلا يشقون عصا الطاعة، ولا يفرقون الجماعة، ولا ينازعون الأمر أهله، ولا يثيرون الفتنة. فهو مستودع الفكر، والوعي، ومنهج الاستقامة، والهداية.
في المقابل، فإن تنشئة أبنائنا، وبناتنا على حفظ سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وارتباطهم بها، سيكفل حمايتهم من مزالق الهوى، وانحراف الأفكار. كما أنه يؤكد على جملة حقائق، لعل من أهمها: ضرورة الحفاظ على المكونات الثقافية الأصلية في مواجهة التيارات الثقافية الوافدة، والمشبوهة، عبر القنوات الفضائية، والشبكة العنكبوتية، وذلك - من خلال - إقامة مثل هذه المسابقات، والتي تمثل نقلة نوعية - ولا شك - في تقديم الجهد الفكري، والسلوكي في معركتنا ضد التيارات المنحرفة، والذي يتطلب منا قوة عقدية، وركائز ثابتة، تأخذنا لبر الأمان، وشاطئ النجاة، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، فإن إيصال رسالة الإسلام السمحة إلى العالم، ورؤيته المتزنة في التعامل، والتحاور مع الآخر، وجعله مطية للاعتدال، والوسطية، وفقه التسامح، بعيداً كل البعد عن التطرف، والغلو، وعن كل ما يخدش رونقه، وصفاءه، مطلب في غاية الأهمية، ولن يتحقق ذلك إلا - من خلال - اعتزازنا بسنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وربط الناس بها، والدعوة إليها. فالإسلام هو دين الاعتدال، والوسطية.
وتبدو الصورة مشرقة، عندما تلفت جمعية «إنسان» الناشئة إلى أهمية التلقي من الكتاب، والسنة، باعتبارهما مصدر التشريع الإسلامي. وحث الناشئة على الاقتداء، والتأسي بهدي نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - عن طريق حفظ السنة، واستنباط مكنون درره، ومذخور كنوزه، وما اشتملت عليه من قواعد كلية، وأحكام فرعية، وتلك مطالب مهمة - ولا شك.
هذه السنة التي وصفها - يوماً ما - أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ - أحد أعلام البيان العربي وأئمته المشاهير-، حين قال: «هو الكلام الذي قل عدد حروفه، وكثر عدد معانيه، وجلّ عن الصنعة، ونُزّه عن التكلف. وكان كما قال الله - تبارك وتعالى - قل يا محمد: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}.. ثم لم يسمع الناس بكلام قطّ أعم نفعاً، ولا أقصد لفظاً، ولا أعدل وزناً، ولا أجمل مذهباً، ولا أكرم مطلباً، ولا أحسن موقعاً، ولا أسهل مخرجاً، ولا أفصح معنى، ولا أبين فحوى من كلامه - صلى الله عليه وسلم.
لقد قيل مراراً: إن تحصين الشباب بحفظ السنة، والعمل بها، ووقايتهم من أسباب الانحراف في المجالين - الفكري والسلوكي -، ومعالجتهم، وتعزيز المسؤولية الفردية في المحافظة على أمن الوطن، ومدخراته، ومكتسباته، وبيان حقوق ولاة الأمر، والعلماء، وأهمية الرجوع إليهم، يولد لدى الناشئة ثروة علمية، وملكة فقهية، تحملهم على الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأقواله، وأفعاله. كما أنها توثق الصلة بمصدري التشريع الإسلامي، وإشاعة الرحمة، والوئام، والمحبة، والسلام. وستعمق الولاء، والانتماء تجاه العقيدة الإسلامية، وولاة أمر البلد، وعلمائها. وسيسهم - بالتالي - في تكوين جيل قادر على صناعة الحياة بدلاً من صناعة الموت.
إنها حكمة في الأمور، ومنهج يستدعي النظر، والتأمل، بمعرفة مصادر التلقي الخاصة بمنهج أهل السنة، والجماعة؛ من أجل حماية الشباب من أي فكر منحرف يناقض الفطرة، وتحقيق الأمن في المجتمعات. فمن أمر السنة على نفسه قولاً، وفعلاً، نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه قولاً، وفعلاً، نطق بالبدعة. فجزى الله جمعية «إنسان»، والتي تهدف إلى العناية بفئة الأيتام لحفظ الكتاب، والسنة، وتعزيز القيم الإسلامية النبيلة في نفوس الأيتام، وترسيخ الأخلاق الرفيعة، التي دعا إليها القرآن الكريم، والسنة النبوية الحميدة. وجزى الله مؤسسة هذه الجائزة حصة العفيصان - رحمها الله -، وراعيتها خيراً، وكتب لها حسن الثواب، والأجر.