** عيدكم مبارك أيها الأعزة.. والكل بخير وسلام دائم إن شاء الله.
** عشنا ليالي شهر رمضان المبارك، وليالي عيد الفطر السعيد، مع تظاهرات حربية من نوع جديد ومعاصر.
** حوصرنا بكم كبير من الفرقعات الكلامية والصوتية، حتى لم نعد نعرف هل هذا الذي يجري جد أم هزل.
** في المواجهة (السنوية الرمضانية) شبه المعتادة بين منظمة حماس والعدو المحتل في فلسطين، كانت آلاف الصواريخ الحمساوية تنطلق لتضيء السماء فوق الأراضي المحتلة، فإذا وافق سقوط أحدها مواطناً إسرائيلياً فقتل أو أصيب، ارتدت لتقتل مئة فلسطيني، وتصيب المئات من النساء والأطفال والشيوخ سكان القطاع، ولا بأس أن ترتفع أصواتنا مهللة مكبرة بالنصر المبين الذي أبقى لنا قيادات حماس المظفرة في فنادق الدوحة وعنابر المستشفيات..!!
** في خضم هذه المعركة الكلامية المصاحبة لمعركة بدأت باستفزاز وحصدت آلاف الضحايا من الشعب الفلسطيني، تذكرت قول الشيخ (عبد الله القصيمي) رحمه الله وغفر له في كتابه: (العرب ظاهرة صوتية): (إن العرب ليظلون يتحدثون بضجيج وادعاء عن أمجادهم و انتصاراتهم الخطابية؛ حتى ليذهبون يحسبون أن ما قالوه قد فعلوه، وأنه لم يبق شيء عظيم أو جيد لم يفعلوه لكي يفعلوه.
إن من آصل وأرسخ وأشهر مواهبهم؛ أن يعتقدوا أنهم قد فعلوا الشيء لأنهم قد تحدثوا عنه).
** توقفت صواريخ حماس في العيد؛ لنجد أنفسنا مع صواريخ لا تختلف عنها كثيراً، ولكنها تؤذي وتقتل وتخرب باسم التسلية واللعب والفرح..! هل رأيتم فرحاً يمهد لحزن وغم وكمد..؟!
أتذكر جيداً أننا فتحنا أعيننا في القرية في زمن مضى، ونحن نجهد في اختراع لعب وتسالي خاصة بنا، نجعل مكوناتها من البيئة التي نعيشها، لكن لا أحد مات منها أو احترق أو تشوه. إلى أن جاءتنا (طراطيع نارية) من دول بعيدة، تُشترى بالنقود، وما نقوم به هو إشعال فتائل أصابعها لتنفجر بيننا محدثة صوتاً مدوياً..! ثم هناك ما هو أعظم.
** هذا الصوت المدوي وأعظم منه؛ كنا نحصل عليه من خلال بَعر الإبل الذي نقوم بحرقه حتى يحمرّ، ثم نضعه فوق صخرة ملساء بعد بلها بماء، ونضرب فوقه بحجر أملس، فيحدث ما يشبه الانفجار، ويصاحب هذا في بعض الأحيان، تطاير الشرر إلى ملابس العيد التي نرتديها وهي وحيدة، فتحترق، وتحترق معها كبودنا، وقد نأكل علقات أسخن من نار تسخين البعر؛ إذا عدنا للدار محرّقة ملابسنا..!
** عندما عدت لقراءة كتاب: (لُعب العرب) لأحمد تيمور باشا- وكنت قد قرأته قبل أكثر من ثلاثة عقود- وجدت أن صغار عرب الجاهلية كانوا مخترعين لعدد كبير من اللعب الخاصة بهم. لا يستوردون اللعبة، ولكنهم يصنعونها من بيئتهم، واكتشفت أن معظم هذه اللعب تقوم على الصوت منها أو من اللاعبين أنفسهم، ما يعني أن علاقتنا بالصوت لها أصولها وجذورها، بل وتزداد ضراوة مع مرور الوقت، فالشيخ القصيمي إذن؛ لم يكتب كتابه: (العرب أمة صوتية) من فراغ..!
** أصواتنا في هذا الزمن الرديء؛ أضحت تعلو على أفعالنا، نهزل كثيراً، ونخلط الجد بالهزل، ويعلو الصوت على كل ما سواه، وإذا فكرنا أن نلهو ونلعب؛ فنحن نقدم تضحيات مجانية تصل إلى حد الأنفس..!
** في مدينتي قُتل عدد من الصغار والكبار، أو فقدوا أطرافهم، أو تشوهوا وهم (يطرطعون)..! رحم الله من مات، وشافى وعافى من تبقى يكابد آلام إصاباته.
** أتمنى على إدارات الدفاع المدني في المملكة؛ أن تقدم لنا خلاصة بعدد قتلى الألعاب النارية في المدن والقرى، وعدد الذين فقدوا عيونهم أو أطرافهم، أو تشوهوا نتيجة لعبة في شكل (طرطيعة) أو صاروخ ورقي..!
** كتبت منذ سنوات أسأل: من أين تأتينا أدوات الموت هذه..؟! من يتاجر بها ويهربها إلى داخل المدن..؟! من صاحب المصلحة في تسهيل دخول هذه الألعاب النارية الخطرة، ووصولها بالتالي إلى أيدي أطفالنا..؟! مَن ومَن ومَن .. مع أنها كما نعرف محظورة وممنوعة..!
** يقول البعض.. وخاصة في عيد عامنا هذا؛ أن ما يباع من ألعاب نارية في الأسواق؛ لم يعد (طراطيع) صوتية من تلك التي كنا نعرفها من قبل؛ ولكنها صواريخ أرض جو، وأرض أرض..! ولها منصات إطلاق يدوية، وتقذف قنابل على غرار القنابل القتالية التي نعرفها في المواجهات الحربية، ولها دوي مفزع، وإذا طارت إلى مكان فيه قابلية احتراق أحرقته، أو طيّرت الرمل، وربما تضرر منها أناس كثيرون، بل قد حدث هذا كثيراً.
** ما هذا التقريب العجيب بين أدوات الحرب التي لا يعرفها إلا الجنود والمقاتلون على الجبهات الحربية، وبين صغارنا الذين لم يصل بعضهم إلى الصفوف الدراسية..؟! هل هذا بمحض الصدفة يا أيها الناس في هذا البلد الآمن أهله؛ بفضل رب العالمين، ثم بفضل تكاتف أبنائه وحكمة قيادته..؟!
** من يجيب..؟ هل من مجيب..؟!