أصدرت وزارة العمل كتابها الاحصائي السنوي للعام الماضي 2013 م، الذي احتوى على تفاصيل مهمة لأداء الوزارة وما حققته إلى الآن في قضية تنظيم سوق العمل وخطط توطين الوظائف فيه، وذكرت الوزارة أن الأهداف العامَّة لإستراتيجية التوظيف تحددت بثلاثة أهداف، وهي تشغيل كامل للقوى العاملة، زيادة مساهمة الموارد البشرية بالاقتصاد والارتقاء بإنتاجيَّة العامل الوطني، ووضعت ثلاثة أهداف زمنية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد لتحقيق الأهداف العامَّة لإستراتيجية التوظيف.
إلا أن اللافت هو تحديد ميزانية سنوية لتمويل الإستراتيجية وإصلاح سوق العمل قدرت عند 14.9 مليار ريال، وبالرغم من أن الوزارة قالت: إن المال ليس هدفًا بقدر ما عامل مساند لنجاح خطتها، إلا أن الكتاب لم يوضح على ماذا ستنفق هذه الأموال بشكل شفاف، ومن غير المنطقي الاجتهاد بتفسير أوجه صرف هذا المبلغ، فالتوضيح يكون من الوزارة حول هذه الميزانية المطلوبة، لكن وجود صندوق الموارد البشرية الذي ينفق على برامج التوظيف من خلال دعم الرواتب ببداية توظيف المستجدين بسوق العمل، وكذلك برامج التدريب والتأهيل، يطرح تساؤلاً كبيرًا حول أسباب طلب هذا التمويل لإستراتيجية التوظيف، فهل سيكون هناك دور مزدوج بين الوزارة والصندوق لدعم نفس البرامج؟ أم أن التمويل مطلوب للصندوق؟ وبهذه الحالة لا بُدَّ من إيضاحات حول موارد الصندوق، وحجم ما لديه من أموال وكيف يستثمرها، وهل ما ينفقه بات أعلى من إيراداته على أن تكون بتفاصيل كاملة؟، أم أن ما طلب من تمويل هو لمرحلة مؤقتة ولتغطية تكاليف برامج جديدة ودراسات وهيكلية إدارات بالوزارة لزيادة موظفين وتغطيتهم لكافة المناطق من أجل التحقق من تطبيق الإستراتيجية وتحقيقها لأهدافها؟ ولكن كل هذه التساؤلات والاحتمالات تبقى قائمة حتَّى تُوضِّح الوزارة سبب طلبها هذا الرقم الكبير.
فلو دققنا بحجم المبلغ، سنجد أنه لو انفق مباشرة على تهيئة الظروف داخل سوق العمل من العاطلين أو المستجدين، سنجد أن حصة ما يفترض إنفاقه على العاطلين الحاليين والمقدرين بنحو 600 ألف مواطن عند 24 ألف ريال سنويًا، بينما لو انفق هذا المبلغ على من يدخلون سوق العمل سنويًّا والمقدر عددهم بنحو 364 ألف شاب وشابة، تكون حصة الفرد الواحد نحو 40 ألف ريال بالسنة. وبالتأكيد تشمل دعم رواتبهم لفترة محدودة، وكذلك التدريب، وإذا كان الرقم سيبدو صغيرًا أمام أهمية إدخال مئات الآلاف لسوق العمل وحصولهم على وظائف سيجنون منها مليارات كرواتب سنويًا، وينفقونها بالاقتصاد وأن أثر ذلك سيبقى أعلى فائدة من إنفاق هذا المبلغ، إلا أن السؤال يبقى، هل ستكون هذه المبالغ مطلوبة لسنوات طويلة؟ فالرقم يكفي لبناء أكثر من 1400 مدرسة كل عام، وكذلك يمكن أن يغطي بناء أكثر من 25 ألف وحدة سكنية، ويمكن بناء عشرات المستشفيات به، وكلها منشآت مهمة وتفتح فرصًا وظيفية، كما يمكن أن يمول قرابة 100 ألف مشروع صغير، فلا بد أن يكون العائد من اعتماد هذا المبلغ لإستراتيجية التوظيف أكبر بكثير مما ذكر، وألا يكون دائمًا، فلا بُدَّ أن يَتمَّ ابتكار برامج تقوم بها جهات أخرى وتكون معتمدة، تقلل من دور وزارة العمل بتأهيل الشباب لسوق العمل، كأن تقوم الجامعات بتطوير برامج تدريب عملية، وتكون معتمدة بما يوفي بمتطلبات تأهيل الشباب لسوق العمل، دون الحاجة للتدريب بعد التخرّج، وستكون هذه البرامج أكثر مهنية وتكاليفها موزعة على الجهات التعليميَّة وتقلص العبء على وزارة العمل بما تواجهه من مطالب القطاع الخاص بضرورة التدريب وغيرها من الحجج التي تقف عائقًا أمام تقدم توطين الوظائف كما يجب.
أما ما يخص الوزارة من دور بدعم التوطين، فيفترض أن يتغير إلى أسلوب نوعي أكثر فائدة لسوق العمل والاقتصاد، فلا يمكن تعميم برامج الدعم على كلٍّ القطاعات بنفس النسب والحجم، فمن الممكن أن يَتمَّ تصنيف القطاعات، ووضع نسب دعم مختلفة حسب أهمية القطاع وديمومة الوظائف فيه، فهل يمكن مقارنة التوظيف بالقطاع الصناعي أو الخدماتي بقطاع التجزئة؟ ففي التركيز على الصناعة ورفع نسب التوطين بها فائدة أكبر وأوسع من قطاعات وظائفها ذات أفق محدود من حيث المتطلبات والدخل كالتجزئة، ومن خلال الأهداف العامَّة التي تضعها الإستراتيجية يمكن الانطلاق نحو سياسة توطين مختلفة تحقق المواءمة بين الدخل الكافي والأمان الوظيفي، ورفع دور الموارد البشرية بالاقتصاد والارتقاء بإنتاجيتها والتركيز على السوق الداخلي لتوفير الموظفين من المواطنين للقطاع الخاص، بدلاً من التفكير بالاستقدام من الخارج فقط.
مما لا شكَّ فيه، أن الأرقام المذكورة بالكتاب الاحصائي لوزارة العمل حملت نتائج جيدة بزيادة التوظيف بنسب عالية، لكن التحدِّيات القادمة التي تسعى الوزارة لتحقيقها باتت بالواجهة حاليًّا وهي الأهم بالإستراتيجية، وتتطلب جهودًا مختلفة أوسع نطاقًا من احتواء البطالة وزيادة التوظيف كمًا وليس نوعًا التي كانت عنوانًا بارزًا لكل ما تم بسوق العمل خلال السنوات الخمس الماضية، ولا بُدَّ من تضافر جهود وزارات عديدة لكي يتم فتح فرص عمل أفضل وبمجالات وقطاعات مختلفة، تكون كافية لاستيعاب الأعداد الكبيرة لداخلي سوق العمل والباحثين عن فرص أفضل من العاملين الحاليين، حتَّى يكون سوقًا مرنًا يضيف للاقتصاد الكثير من الإيجابيات التي تدعم التنمية المستدامة، وترفع من معدلات النمو الاقتصادي بعيدًا عن تأثير إيرادات النفط والإنفاق الحكومي على المشروعات التنموية.