للعلماء مكانة مهمة في المجتمعات ودور عظيم بين أفراده فهم خلفاء الرسل وهم الذين يصلحون ما أفسد الناس ويجتهدون في توجيه الناس إلى الخير وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العلماء هم
ورثة الأنبياء وأن عليهم أن يجتهدوا في إصلاح أمور الناس وتوجيههم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وصبرهم على الأذى، قال عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (33) سورة فصلت، والمجتمع بدوره يحرص على إعطاء العلماء قدرهم وينزلهم مكانتهم ويذب عنهم وعن غيبتهم مع التأكيد بأن ليس هناك منهم معصوم وقد يقع منهم أي خطأ أو زلل وفي ذلك الوقت يكون التنبيه بالأسلوب الحسن.
وفي مجتمعنا اليوم يكفي أن تقول عن الرجل بأنه شيخ أو إمام مسجد أو عالم أو غيرها من الأوصاف الأخرى التي توضح بأن هذا الرجل لديه علم شرعي إلا وتجد له كل الاحترام والتقدير، فقد نشأ المجتمع لدينا على حبه وتقديره للعلماء والمشائخ وعلى الرغم من وجود فوضى واضحة في هذه الساحة وخصوصاً في مجال الفتيا مما ساهم في ظهور بعض المتعالمين ومن يتلاعبون بالحلال والحرام مما ساهم في تشويه صورة العلماء وإيجاد فجوة بين العلماء وبين عامة المسلمين، إلا أن المجتمع ولله الحمد أصبح يميز بين أولئك المتطاولين وبين العلماء المخلصين الذين يحرصون كل الحرص على خدمة دينهم.
ومع ما سبق من مكانة للعلماء في مجتمعنا إلا أنهم بشر في نهاية المطاف ينالهم التعب والإرهاق وقد يقع منهم الخطأ والزلل، يقول سيدنا أنس بن مالك - رضي الله عنه -: قال: كانَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «اللَّهمَّ إِني أَعُوذ بك من العَجْز والكَسَل، والجُبْنِ والهَرَمِ والبُخْلِ، وأعوذ بك من عذابِ القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات». يقول ابوحيان الكسل هو التثاقل والتثبط والفتور عن الشيء، ويقول ابن حجر في الفرق بين العجز والكسل أن الكسل ترك الشيء مع القدرة على الأخذ في عمله، والعجز: عدم القدرة.
لقد تعوذ رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من العجز والكسل وأوصانا أن نتعوذ منها ومن غيرها من الخصال السيئة، وعندما يُذُكِر خادم الحرمين الشريفين العلماء الأفاضل بعد كلمته التي قدمها مؤخراً للأمة العربية والاسلامية بأن فيهم كسلاً وفيهم صمت فهو يلفت انتباههم ويستنهض هممهم وعزائمهم إلى قضية مهمة للغاية وفي وقت حساس ومهم لأن يسمعوا صوتهم لأمتهم وأن يوضحوا الحقائق وأن يفعلوا ما هو واجب عليهم لدنياهم ودينهم وربهم فوق كل شيء ولولا مكانة العلماء في مجتمعنا اليوم لما حرص حفظه الله على تذكيرهم.
إن المجتمعات اليوم في أمس الحاجة لعلمائها المخلصين ولأن تسمع أصواتهم وترى أفعالهم وتلمس تحركاتهم ضد ما تشهده أمتنا العربية والإسلامية من فتن وقلاقل وإرهاب وقتل للأبرياء والأطفال والنساء، وضد ما تراه المجتمعات من تشويه للحقائق وتدليس للأحداث وحرص على تدبير المؤامرات من الأعداء، وضد ما نتابعه من تشويه لصورة الإسلام بمختلف أشكالها، فاليوم كلمة العالم المخلص أهم بكثير من التصريحات الإعلامية الأخرى، فكلمة العالم تبعث الطمأنينة في نفوس المجتمع وتؤكد لهم بأننا جميعاً في مركب واحد وأن صوتنا واحد ضد الأعداء وإن أمننا يأتي من خلال تمسكنا بعقيدتنا وبمنهجنا القويم.
أما الصمت والكسل والتردد والتوجس والخوف والتفكير في عاقبة إعلان كلمة الحق وكشف الزور والبهتان مع القدرة عليه فإنما هو من الكسل والتراخي الذي حذر منه رسولنا صلى الله عليه وسلم وذكر به اليوم خادم الحرمين الشريفين فهل سنسمع خلال الفترة القادمة صوت علمائنا الكرام بشأن ما حولنا من أحداث وفتن؟