أخطر مرحلة، بل هي الأسوأ في تاريخ (الأندلس) هو ما يسمى بعصر (الطوائف)، أو عصر (ملوك الطوائف) وفي أواخر العصر العباسي كذلك ما يسمى عصر (الدول المتتابعة)، وهي مرحلة من المراحل التي كانت مؤذنة بسقوط الخلافتين، العربيتين الإسلاميتين، الأموية بالأندلس، والعباسية في (العراق)، حيث بلغ على سبيل المثال عدد الأمارات في بلاد المغرب العربي،
وما يعرف الآن (بأسبانيا) حوالي (20) أمارة، تزامنت في النشأة والسقوط تقريبا.
* اليوم، في بلاد الشام، والعراق، وحينما أعبر ببلاد الشام، لكي نربط القارئ بالأحداث القديمة، ولكون الاضطراب حاليا تجاوز (سوريا) إلى ما جاورها، أقول: اليوم بدأت تتكون نواة (أمارات) مستقلة، أيدلوجيا واجتماعيا،وسيتبلور وجودها جغرافيا كذلك، في ظل فراغ سياسي كبير في الدول التي شهدت، أو تشهد صراعا أذكته عوامل متعددة،وعدم وجود دول قوية ومؤثرة قادرة على ملء الفراغ، على الأقل في القريب العاجل.
*في بلاد الشام، وفي (سوريا) بالتحديد عصر (الأمارات) ليس بجديد على تاريخها السياسي، حيث لازالت بعض الأسر تعد من بقايا بيوت الأمارة التي سادت في مناطق وأقاليم محددة، وانتهت أمام الانقلابات العسكرية وحروب الاستقلال. وللإنصاف لابد من الإشارة إلى أن تلك الأمارات ظلت تابعة لقوى استعمارية لها نفوذها في المنطقة آنذاك. ومن المعروف كذلك أن بعض تلك الأسر الحاكمة آنذاك هاجرت إلى أوربا، وأمريكا واستقرت هناك، لكن ظل بعضهم يمارس العمل السياسي على أكثر من صعيد، وبعضهم عاد ليخوض معارك انتخابية، سواء كان في الأحزاب السياسية داخل الوطن الأم، أو البرلمانات، أو على مستوى رئاسة الحكومات.
* غير المتعمق بالتاريخ، أو ممن يحاول أن يتجاهل أثر الكوارث ويتناساها يقلل من أهمية تلك الجماعات، أو الأحزاب، ويعتقد بعدم قدرتها على تغيير الواقع، وبخاصة والعالم كله تحكمه حاليا مؤسسات دولية لها أنظمتها وقوانينها ومعاهداتها التي تستخدمها متى شاءت، أو شاءت إحدى القوى المؤثرة في القرار. وقد يكون هذا التصور، أو الاعتقاد معقولا على المدى القريب، وفي ظل بساطة تلك التنظيمات. أما على المدى البعيد، فالمستقرئ للتاريخ، ونشأة الدول،وحركات التمرد، وصراع الثقافات له حسابات أخرى، أو استقراءات مختلفة، فالجماعات الضعيفة، وهي الموجودة حاليا ستجد من يستثمرها ويقودها، وربما شكل منها دولة تفرض وجودها على الخارطة الدولية،ولو تأملنا في واقع تلك المناطق التي اتخذت منها تلك الفصائل منطلقا لها نجد أنهم للأسف قد استمالتهم تلك القوى الصغيرة.والشعوب دائما، وبعض الأقليات على وجه الخصوص حينما تضطرب أحوالهم، سياسيا، أو اقتصاديا،أو أمنيا، ويتفكك نسيجها الاجتماعي تتمسك بأي بارقة أمل تعيد الحياة الطبيعية لهم، وهذه الفصائل التي شكلتها أحداث المنطقة تستثمر مثل تلك الظروف، ويتكون نسيجها على المدى البعيد من تلك الفئات المغلوب على أمرها. وحتى تلك الفئات التي لا حول لها ولا قوة، والتي وجدت نفسها بين عشية وضحاها تحت رحمة تلك الفصائل، أو العصابات سمها ما شئت، ربما لا تدرك أنها قد جرمت، أو ستجرم دوليا حتى ولو كانوا مكرهين.
*و لو ذهبنا إلى ما هو أبعد من ذلك، أو لا يقل خطورة عن تلك الجماعات في الشام والعراق سنجد فئات أخرى في بعض الدول التي ضربها الربيع العربي أبدت شعوبها تعاطفا مع تنظيمات وجماعات ليس لديهم تلك القناعة بمنهجيتهم أو توجههم السياسي والديني، لكن لجأوا لذلك شعورا منهم بالفراغ الذي لم يستطع غيرهم من الجماعات الوسطية والمعتدلة أن تملؤه، ثقافيا، وسياسيا،واجتماعيا،واقتصاديا، حيث استطاعت تلك الجماعات التي تطرفت في أطروحاتها أن تعزف على أوتار حساسة، فوجدت من البسطاء بالذات التجاوب العاطفي غير المتوقع معهم، ولهذا لم يكن ذلك التصور يخفى على خادم الحرمين الشريفين في كلمته الموجهة للعالم بشكل عام، وللعلماء والمشايخ بصفة خاصة.