لطالما كانت الحرب عمياء.. هائجة وبيدها السلاح.. لا تفرق بين الإنسان والأحجار عدا أنها تمزق كل ما تمر به.. كالنميمة.. تخرج من فم ساذج أو مغرض بقصة رخيصة.. وتنتهي بجريمة بشعة يصعب حصر خسائرها لكنها حتماً ليست بحجم أسبابها.. وهكذا هو الإنسان لا يستوعب أنه كان أداة حتى يقف على الدمار بنفسه.. لا يفهم أنه كان مطية حتى يقف بين أنقاض الانهيار ويحاول أن يتذكر السبب الذي من أجله أقحم نفسه في هذا الضياع.
للحرب أبواق تناديها في كل مكان.. وقلقٌ وخوفٌ ينتاب البعيدين عنها.. يحاولون أن يجدوا بين كذب الإعلام وتزويره عذراً.. ومن يستطيع أن يعذر إراقة قطرة دم واحدة!.. من يستطيع أن يسجل عذراً واحداً يستحق أن تباد من أجله البشرية غير سفاح مجنون.. يمكنه أن يلوي جذع الحقيقة.. ويختلق للتطهير ألف ذريعة.. ويجيش البشر ضد البشر.
لتنادي الحرب المجنونة أوجد تمرداً معقولاً.. معصوب البصيرة لا يعرف ممن يأخذ حقه.. لذا فإن توجيهه للمكان الهدف سهل إن وجدت جلاداً تضع عليه لائمة الظلم والقهر والجوع والفقر.
يتجلى الغباء الإنساني لحظة يسلم قضية ما.. كل إمكاناته وحماسه.. ويدفع من أجلها كل ما يملك وحتى روحه.. وصاحب القضية «متربع» في بيته!
ومن أعجب ما قيل في الثورات عندما تسأل عمن سيدفع ثمن الدماء والأعراض المستباحة.. والحضارة التي دُمرت.. إن كل ثورة إنما تقوم على أبطال ضحوا بأنفسهم.. وشعارات جوفاء يمكن أن تقنع بها يائساً وفاشلاً في حياته.. لكن من يستوعب قيمة الحياة.. يعلم يقيناً أن الروح أثمن ما في الوجود.. وصلاحية العيش لنا ولأجيال ستأتي بعدنا أهم من قتل إنسان بسبب فكرة أو مذهب يتبعه.
عش ودع الناس تعيش.. فعشاق السلطة والنفوذ يجدون ضالتهم عند الأغبياء والسذج.. لو تمعنت في حالهم للمست نشوة اعتلاء المنابر التي تضخ فيهم لوثة جنون العظمة.. وفكرة استعباد البشرية.. فمن هم؟ هل عرفت خباياهم.. وأسرارهم.. وتفاصيلهم.. أم أن سحر الكلام وحده من أخذك تحت جناحهم.. وصدقتهم دون ضمانات ومنحتهم نفسك!
السيطرة داء المجانين.. يتحدثون أكثر مما يفعلون.. طأطأة الرؤوس تنعشهم.. يرقصون على المشاعر غالباً ولن تجد للعقل في خطابهم محلاً.. فالعقل إذا تكلم فضح المشاعر المشوّهة.. وأنزل كل قضية لمقامها الذي لن يتعدى السبل السلمية.