في حديث عابر قال لي أحدهم « كيف تتجرؤون وتقولون إن الإرهاب جريمة، والله يقول في كتابه الكريم {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} فالله جلَّ جلاله يأمرنا بإرهاب الأعداء وأنتم تسالمونهم»!
هذا الرجل وكثيرون غيره فهموا الإرهاب على نحو لا يتفق ومضمون الآية الكريمة، كما فهموا الجهاد أيضا على نحو لا يتفق ومضامين كثير من الآيات والتي منها {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} والأمر الرباني الكريم خاص بالمحاربين والمناجزين، إذا هم أرادوا السلم وتأكدت غايتهم في السلم، فمصلحة حقن الدماء في الإسلام مقدمة على إراقته حتى في حق غير المسلمين، لذا فالإرهاب المقصود في الأية الكريمة هو (الردع) كما يعبر عنه اليوم في المصطلحات العسكرية والسياسية والجهاد القائم على الاعتداء على البلدان المسالمة والمعاهدة هو تعدي وجموح وإنما يقتصر الجهاد المندوب له على رفع الظلم عن المستضعفين.
إن الخلل الذي أصاب المفاهيم لدى قاعدة كبيرة من الناس هو ما جعلهم اليوم مضطربين في مواقفهم تجاه الإرهاب الذي يسميه البعض جهاد، وهذا الخلل في المفاهيم هو نتيجة طبيعية لأمرين: الأول هو انتشار فكر العنف لدى كثير من الحركيين ووعاظ الإسلام السياسي الذين جعلوا حجتهم في الدعوة للجهاد هي رفع الظلم عن المستضعفين، ومع أن مفهوم المستضعفين كمصطلح تمطط كثيراً حتى بات يشار به للأقليات التي تطالب بحقوق تمس السيادة الوطنية لبلدانها، او لمجموعات الفكر السياسي الحركي مثل (جماعة الإخوان المسلمين). والسبب الثاني هو تجنب علماء الدين التقليديين جدال أو مناقشة أرباب الإسلام السياسي وترك المجال لهم، مما أوحى للناس بموافقة هؤلاء العلماء على طروحات الإسلام السياسي كلٌ بحسب مذهبه وطائفته، هذا الخلل تأصل وترعرع بفعل الأدلجة الفكرية أيضا، حيث انتشر في أوساط الطلاب والفئات الأقل تحصيناً فكرياً، وبات يغذي بعضه بعضاً، وهو ما أنتج جيل ميال للعنف والرغبة في تغيير الآخر قسراً.
الإرهاب المشروع في الإسلام والذي يشار له بـ(الردع) هو استعداد الدول من خلال منظوماتها الرسمية كالجيش والحرس الوطني والأمن العام والتسلح بأرقى العتاد العسكري والحربي لكسر غولة الاعتداء عند من تسول له نفسه طمعاً أو عدواناً، وفي بلادنا هذا الواجب قائم وعليه رجال أشداء، وجنود بواسل نتكل عليهم في حماية الوطن والأهل وكرامة حياتنا، أما الإرهاب القائم على الغولة والبطش وخلع أمان النفوس المؤمنة والمعاهدة وزرع الرعب فيها فهو إرهاب إجرام يدينه كل دين وملة، وهو ليس من الجهاد في شيء، بل هو كما نرى ارتزاق بالقتل والظلم وإنزلاق في أجندات جماعات ودول لها مآرب لا تستطيع تحقيقها إلا باسترقاق عقول الجهلة وتوظيف المؤدلجين الذين ييسرون استغلال طموحات البسطاء من الشباب وإغرائهم بالمكتسبات الجنسية المتمثلة في السبي واغتصاب النساء المأسورات ووعدهم الجنة ومتعة الحور العين فيها إن هم ماتوا في معاركهم.
نحن اليوم أمام معضلة كبيرة تتمثل في وجود شعور ملاحظ لدى فئات من المواطنين تتعاطف أو لا تجد حرجاً في ما يحدث من إرهاب داعش او جبهة النصرة أو حزب الله، والمعضلة الأكبر هي أنه لازال هناك بيننا من يتعدى نشاطه التعاطف والتأييد، وهنا لابد من الحزم، والشدة ولابد من دعم الدولة بالمعلومات والتبليغ والتشجيع والمؤازرة، لكشف هؤلاء، والتضييق عليهم، حتى يعودوا عن غييهم، فليس لنا اليوم خيار سوى حفظ أمننا وحياتنا وكبح جماح العقول المريضة بداء الكراهية والعداء للمختلف.