- هل كان باستطاعة كافة المنظمات والحركات الإرهابية التي تعصف بالمنطقة العربية اليوم؛ مثل: (داعش)، و(بوكو حرام)، و(النصرة)، ومن قبل هذه كلها (القاعدة) وخلافها؛ أن تتكون وتظهر وتمارس عملياتها الإرهابية هنا وهناك، لولا فخّ ومصيدة (الجهاد)، التي نصبها لها وغذاها الخطاب الديني المتطرف..؟!
- من هنا بدأت الشرارة التي تحولت إلى نيران تأكل الأخضر واليابس، ومن هنا كانت البذرة الأولى لفكرة الخروج على الحكام عرباً ومسلمين، وليس حكام الكفّار ولا شعوبهم التي أخذت تتفرج وهي سعيدة بما يجري من قتل وذبح، في أوساط الذين ينادون بذبحها في المنابر والمحابر، ثم لا ينحرون ولا يذبحون إلا أنفسهم وأهليهم وأسرهم في نهاية المطاف.
- جاءت الدعوات للجهاد المنفلت من شروطه وواجباته، والمتمرد على الحاكمية التي تملك وحدها هذا الحق، كنتيجة طبيعية لفكرة وخطط تسييس الدين؛ التي ابتدعتها جماعة الإخوان المسلمين قبل عدة عقود، وعنها أضحت خطط تكوين الجماعات المتأسلمة، وإعداد المليشيات المدربة ميدانياً، في صلب الأنشطة الطلابية والشبابية في عديد البلدان العربية وفي بلادنا على وجه خاص، وجرى تحت يافطات وواجهات دينية وخيرية في كل المدن، تجنيد الشباب للجهاد في أفغانستان بداية، ثم لدعم القاعدة وتنفيذ عملياتها الإرهابية حتى داخل المجتمع السعودي، ثم ظل مفهوم الجهاد الملتبس لدى عامة الناس حتى اليوم، يزود القاعدة وداعش والنصرة وخلافها، بالمزيد من الشباب السعودي الواقع في فخ ومصيدة المفهوم المسيّس للجهاد في هذا العصر.
- يا سبحان الله..! الدولة تعلن ليل نهار وتحذر من تغرير الشباب وتحريضهم والزج بهم في معارك مخابراتية ليس فيها جهاد ولا ما يجهدون؛ وهناك من يهز منابر الجمعة كل أسبوع في مخالفة صريحة لتوجيهات ولي الأمر، وتسفيه الرأي العام، والانفراد برؤية مسيسة للجهاد ليس عليها سياسة الدولة ولا مؤسستها الدينية المعتبرة..!
- أعرف جيداً أن من بين عشرات آلاف خطباء الجمعة في جميع مناطق المملكة؛ من يبني ولا يهدم، ويدرك خطورة منبر الجمعة ورسالته الدينية والتوعوية، كما أنهم ليسوا كلهم على درجة واحدة من الفهم والفقه الديني الذي يجعلهم يدركون اللبس الحاصل في مفهوم الجهاد في هذا الوقت، وهم ليسوا كلهم إمعات أو غير مسيسين أو متأثرين بما يجري حولهم من حوادث، هذه مسئولية وزارة الشئون الإسلامية وليست مسئوليتنا كمجتمع؛ تُصب في آذاننا ظهر كل يوم جمعة خطب نارية تحض على الجهاد، وتدعو للمجاهدين في كل مكان، ولا تستثني مكان الخطيب المفوه..!
- لا أدري ما مكانة أو مناسبة الدعوة للجهاد والدعوة لنصرة المجاهدين في هذا الوقت العصيب؛ الذي لا نتهم فيه فقط بدعم الإرهاب؛ ولكن نعاني منه، ويتربص بنا..؟!
- إذا كان القاعديون بيننا وعلى حدودنا في اليمن؛ يقولون بأنهم يجاهدون في سبيل الله، والداعشيون يقتلون ويمثلون بخلق الله في سوريا والعراق، يقولون بأنهم يجاهدون في سبيل الله، ومثل هؤلاء عناصر النصرة في سوريا، وبوكو حرام في نيجريا، فهل نحن بهذا الدعاء المنبري الجمعوي العظيم، نمجدهم، ونقف معهم، ونحث على نصرتهم، ونحرض على الالتحاق بكتائبهم، وندعو الله أن ينصرهم، وأن يسدد رميهم، وأن يبارك ذبحهم، وأن يكثر من قتلاهم، وأن يسرهم بالسبايا، ويفرحهم بالصبايا، وينعم عليهم بمليارات الدولارات التي تصلهم على ظهور الحمير من كل صوب..!
- هذه إشكالية كبيرة تعتور الخطاب الديني؛ ليس فقط في منابر الجمعة؛ ولكن حتى في المنابر الإعلامية، وفي وسائل التواصل، وكأن المتآمرين من المضللين المحرضين، والمغررين المنفرين.. كأنهم في مأمن مما سوف يحدث لهم ولسواهم- لا سمح الله- لو تحقق لهذه الطغم الباغية مرادها في زعزعة أمن البلاد، وتفرقة العباد..؟!
- هذه الإشكالية في حد ذاتها، تفسر لنا بكل وضوح- ليس فقط كسل العلماء، كما أشار بهذا خادم الحرمين حفظه الله في وقت سابق- ولكن سكوت العلماء، وسكوت النخب الفكرية والإعلامية والمنبرية عن أن تقول ولو كلمة واحدة تدين بها إرهاب القاعدة وداعش والنصرة وبوكو حرام.. حرام هذا الكسل، وجرم هذا السكوت المريب، وخاصة من أولئك البيانيين الشهيرين بعرائض الاعتراض وبيانات التأييد، الذين ما تركوا فرصة لدعم مشروعهم الخياني إلا اهتبلوها؛ لمحاولة الضغط على مراكز القرار، والتوجيه بما يخدم توجهاتهم الفكرية، ويحقق مكاسبهم الحركية والمالية والسلطوية.
- ما زال الفخ المنصوب باسم الجهاد لاصطياد المقاتلين المغرر بهم؛ يدعم الحركات الإرهابية في المنطقة، ويهدد كياننا ووجودنا.. متى نفخخ هذا الفخّ الشائك، ونحرر مفهوم الجهاد من اللبس المتعمد له بفعل فاعل..؟!