تقتضي مساعدة الطلاب في المواقف التعليمية بذل جهد بين طرفين :(المعلم، الطالب) للحصول على نتيجة معينة، وهي عملية تفاعلية، تنطلق من مفاهيم متوافق عليها، ورؤية واضحة، ووفق منهجية صحيحة، تعتمد على الاحترام المتبادل، والإيمان بأن الطرف الآخر: حر، عاقل، مدرك، يميز الأشياء النافعة من الضارة، ويمايز بينها ويختار بناء على ما منحه الله من مقومات ذاتية، وقدرات عقلية تؤهله لذلك، وفق ما يرى أنه الأنسب له والأصوب، وأنه يحقق ما يتطلع إليه من آمال وتطلعات.
وثبت أن أنسب الطرائق التدريسية التي يجب أن تستثمر ويؤكد عليها أثناء مساعدة الطلاب في المواقف التعليمية، باعتبار أنها الأصح تربويا وتعليميا، ما يسمى بـ «التعلم المتمركز حول الطالب»، حيث يبلغ جهد المعلم في هذه الطريقة التدريسية 20 %، بينما يبلغ جهد الطالب 80 %، أي أن الطالب يبذل الجهد الأكبر في الموقف التعليمي أثناء عملية التعلم، وإذا استعصى عليه أمر الحصول على المعلومة أو فهمها، استعان بالمعلم الذي يساعده في البحث في المداخل الممكنة، والمصادر المناسبة للحصول على المعرفة الصحيحة، ويتولى الطالب نفسه الدور في البحث والتقصي وجمع المعلومات التي تتوافق مع موضوع الدرس.
ولهذه العمليات أدبياتها ومفاهيمها ومناهجها، ولها قواعدها وأخلاقها، وهي مقدمات متى ما التزم بها كل طرف تأتي النتائج بعدها حتما صحيحة حميدة سليمة موفقة، وأي خروج عليها إفراطا أو تفريطا، يجعل البصائر والحقائق حول «من الحول» مشوهة منحرفة، وفي الاتجاه المضاد للغايات العامة المنشودة.
وهنا تكمن الكثير من المخاوف والمخاطر، حيث ثبت أن المواقف المشوهة، والأفكار المنحرفة، والآراء الشاذة، والسلوكات المنحرفة، إنما هي نتاج إفراط المساعدين أو تفريطهم في عرض المعارف صحيحة وفق أصولها، فالمعارف المشوهة، والمعلومات الخاطئة، تتولد عنها وجدانات مشوهة، ومن ثم يأتي تبعا لها بكل تأكيد السلوك الأحول المنحرف عن جادة الصواب، لأن السلوك بني على معلومات ووجدانات مشوهة خاطئة.
وعندما يقال: إن «من المهمات الجليلة للمؤسسات التعليمية مساعدة الطلاب على رؤية الأشياء بطرق جديدة مغايرة للطرق المألوفة، وهذا هو الإبداع»، فلا ريب أنها مقولة حق وصدق، فالطالب يذهب للمدرسة ليس للحصول على معرفة الأشياء، لاسيما في هذا العصر، الذي أضحت المعرفة فيه سهلة ميسرة متنوعة المصادر، لكنه يذهب للمدرسة كي يتعلم فيها كيف ينتج المعرفة ويثريها بجهده وفكره.
يتبين من هذه المقولة التي تؤكد حقيقة طالما كانت غائبة عن اهتمام بعض التربويين الميدانيين، وأخص المسؤولين عن الإدارة التربوية باعتبارهم المؤتمنين المسؤولين عن عمليات التربية والتعليم والتخطيط لبرامجها وأوجه نشاطها المختلفة، إنها مقولة في غاية الأهمية، على اعتبار أن العلاقة بين الطرفين «المؤسسات التعليمية»، أي المدارس، و»الطلاب»، علاقة تشاركية في صناعة التغيير المنشود الذي يجب أن تقوم به المدرسة، في ضوء حاجات الطلاب وقدراتهم وأوجه اهتمامهم، ووفق الأطر العامة لأهداف التعليم وغاياته.
فالمواقف التعليمية داخل الفصول، تعد أحد أهم وأشهر وأكثر البيئات التعلمية التي تنعقد فيها تلك العلاقة، وأكثرها مناسبة لصناعة الرؤية والتحفيز على الإبداع، ولا يقل أهمية عن المواقف التعليمية داخل الفصول باعتبارها المحضن الأول لعمليات التعلم، ما يحصل في الممارسات الميدانية لبرامج أوجه النشاط، والتي غالبا ما تمارس داخل أسوار المدرسة وخارجها، وتكمن أهمية هذه الفعاليات باعتبارها تمثل الجانب العملي التطبيقي لما يتعلمه نظريا داخل الفصول.
لدى الطلاب في التعليم العام قدرات وإمكانات واستعدادات هائلة لممارسة أي أدوار يكلفون بها من قبل مدارسهم، ويأتي في مقدمة هذه الأدوار أن يمكنوا من ممارسة فاعلة في عملية التعلم داخل الفصل، فالمعلومة التي يشارك الطالب في الحصول عليها أو انتاجها تبقى راسخة في ذاكرته تتجدد، كما تتسم بقابلية الاستدعاء في وقت الحاجة دون عناء أو جهد.